دكتورة مي أبو العز تكتب :هل ينجح ” الاقتصاد السلوكي ” في خفض تكاليف فيروس كرونا

 

الاقتصاد السلوكي بعد أزمة كورونا اكتسب أهمية ومتابعة كبيرة على خلفية نهج الاقتصاد التقليدي المعروف باسم نموذج الاختيار العقلاني، والذي يفترض ان الافراد يسلكون سلوكاً اقتصاديا رشيدا، ودائما ما تصب اختياراتهم في صالح تعظيم المنفعة الحالية والمستقبلية من خلال الموازنة الفعالة لتكاليف وفوائد كل خيار متاح لهم. في المقابل يُظهر علم الاقتصاد السلوكي ان البشر لا يتصرفون بهذه الطريقة، ولديهم قدرات معرفية محدودة وصعوبة في ممارسة ضبط النفس، ولذلك يعد دراسة سيكولوجية نظرا لكونه تحليلاً لعمليات صنع القرار التي يتخذها الأفراد.
وتعد نظرية ” الوكز ” التي قدمها الاقتصادي الأمريكي ” ريتشارد ثالر” أحد اهم المراجع الأساسية في فهم الأفكار الرئيسية للاقتصاد السلوكي، وقد اغتنم بسببها جائزة نوبل عام 2017. وتعرف الوكزات بأنها أي جانب من جوانب هندسة الاختيار (أو تشكيل البنية) التي تغير سلوك الأشخاص بطريقة يمكن التنبؤ بها دون حظر أي خيارات، أو تغيير حوافزهم الاقتصادية.
تحتوي النظرية على العديد من الأساليب المبتكرة التي تعمل علي تحسين فعالية السياسات العامة من خلال الدراسات السلوكية، إضافة الي تسهيل الخدمات العامة من خلال إعادة هندسة طرح البدائل المختلفة في المجالات التي تؤثر على سلوك المواطنين مثل الصحة، والتعليم، والطاقة، والاتصالات، وسوق العمل والاعمال، والخدمات الحكومية، والضرائب، وحماية المستهلك، والخدمات المالية والبنوك.
وقد أنشأت العديد من الحكومات حول العالم إدارات ومراكز متخصصة للاقتصاد السلوكي مثل دول الأعضاء بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (والتي تضم عضويتها 36 دولة) ويجرى حاليا انشاء هيئات مماثلة في كل من عمان، ولبنان، والسعودية، والهند، وقطر…
بمقدور الحكومات العربية الاستفادة من التدخلات السلوكية للتخفيف من الاثار الاقتصادية والصحية المدمرة لفيروس كرونا المستجد بشكل يؤدي الي زيادة المنفعة العامة، خاصة ان هذه التدخلات لها اثار إيجابية واسعة النطاق، ومنخفضة التكاليف سواء من حيث القيمة المطلقة أو بالنسبة للنتائج التي تحققها. فعلي سبيل المثال، قد حققت تذكيرات الرسائل النصية من الالتزام بالأدوية المضادة للفيروسات القهقرية بكينيا من 40٪ الي 53%، كما ان تضمين الألعاب في صابون يد الأطفال في العراق قد عمل علي تحسين عادات غسل اليدين بين أطفال المخيمات، وقلل من انتشار امراض الرئة بنسبة 20٪… ووفقا لما ورد بدراسة بحثية في جامعة برنستون نشرت في عدد مارس 2020 بفعالية التدخلات السلوكية البسيطة مثل تركيب موزعات صابون منزلية منخفضة التكلفة قد اثبتت فعاليتها في تحسين السلوكيات الصحية الوقائية، كما انها فرصة لإحداث تغييرات دائمة يمكن ان تترجم في عادات جديدة ذات فوائد صحية طويلة الآجل، ومن زاوية اخري تؤدي الي تقليل ارهاق أنظمة الرعاية الصحية.
باختصار يبعث هذا الخطر الصحي رسالة الي صانعي السياسات والعلماء: الجمع بين نقاط القوة في كلا من ديناميكيات الامراض المعدية وتدخلات الاقتصاد السلوكي ستكون أداة قوية في البحث عن حلول لهذا الوباء العالمي.

آخر الأخبار