خالد عبدالعزيز يكتب لوحة « القاهرة ٣٠» الفنيّة
الدقائق الأولى من فيلم “القاهرة٣٠” للمخرج وكاتب السيناريو صلاح أبو سيف عن قصة الأديب العالمى نجيب محفوظ تستحق – فى رأيى- أن يحصلا بسببها على جائزة”نوبل” أخرى للإبداع الفنى ويستحق الجائزة معهما كاتب حوار الفيلم أ.لطفى الخولى الصحفى المعروف بالتوجه اليسارى .
وتبدأ أحداث الرواية -التى أمتعنا بها كعادته أديبنا نجيب محفوظ- فى يناير١٩٣٣ أثناء وزارة إسماعيل صدقى باشا وسط حالة رفض شعبى لدستور١٩٣٠ ومحاولة العودة-وهو ماتم بعد ذلك- لدستور١٩٢٣ .
على طه( الفنان عبد العزيز مكيوى) وأحمد بدير ( الفنان عبد المنعم إبراهيم) ومحجوب عبد الدايم (الفنان حمدى أحمد) وشخصية رابعة لم يتطرَّق لها الفيلم رغم وجودها فى الرواية الأصلية “مأمون رضوان” الشاب الأصولي المتدين. يغادرون أحد أيام الخميس حرم جامعة فؤاد الأول المسموح فيها بالعمل السياسى والثقافى والفنى وهو ما تؤكده وتدعو إليه من خلفهم ملصقات على الأشجار والأسوار لمقاطعة البضائع الإنجليزية ومشاهدة فيلم الموسيقار عبد الوهاب الجديد ” الوردة البيضاء”.
كلمات قليلة على لسان على طه يقول فيها “هوَّ ده اللى إحنا محتاجينه دلوقتى بالظبط كفاية بقى كلام عن غيبيات وتواكل”توضح على إستحياء “موضة الإلحاد” التى ظهرت داخل الجامعة فى تلك الآونة يستكمل بعدها “على طه” حديثه عن حتمية الإشتراكية ومساوىء النظام الرأسمالى.
نعت الصحفيين من خلال شخصية الصحفى الناشىء أحمد بدير بإستغلال الناس بدون الإيمان بجوهر القضية والعيش على مايستطيعون إستخلاصه منهم ، لكن إعدادها سينمائياً كان بارعاً فيسدد على طه للبائع ثمن جريدة “البلاغ” ولكن أحمد بدير هو من يستلمها ليقرأها أولاً ويستعد لموعد مهم مع زعيم سياسى فيبحث عن عطر للتطيب فلم يعجبه ذلك الذى يباع أمام المساجد ويتطيب به المتدين”مأمون رضوان” موحياً إلى عدم رضاه عن هذا الإتجاه المتحفظ، وإرتدى “كرافتة”على طه الأنيقة ويخبره بعدم رضائه عن أفكاره ومعتقداته بل حذَّره من خطورتها التى قد تطوله ، وتهكم على طلاء الحذاء الذى إستعاره من أحد الزملاء وإستخدمه بالفعل وأشار للجميع بإستخدام”ورنيش النحلة” وكأن الصحافة تعمل بتوجيه وتدخل من الجهات التى تموِّل الصحف بالإعلانات.
ولم تظهر فى الفيلم إلا للحظات شخصية المتدين “مأمون رضوان” فى الرواية وفى هذه اللحظات أوضح السيناريو والحوار بعبقرية يُحسدان عليها كل ماقصده المؤلف من هشاشة هذا التدين عندما إستخدم “مأمون” التكبير والتسبيح أثناء الصلاة فى حركات تمثيلية ليمنع أن يعبث الصحفى أحمد بدير بمتعلقاته، لكن المشهد الأقوى دلالة والأروع ذهنياً والذى مرَّ دون أن يدركه الكثيرون حينما كان “مأمون” يمسح بإتقان زجاج نظارته ليرى ويتأمل إحسان شحاتة (الفنانة سعاد حسنى) من نافذة غرفته.
أمَّا محجوب عبد الدايم الشخصية الرئيسية فى الرواية والفيلم ففى مشهد من وراء العقل فى الدقائق الأولى يختاره متسول من بينهم جميعاً قائلاً له ” إدّينى قرش ربنا يعلّى مراتبك ” فيردُّ محجوب عبد الدايم فى عبارة صادمة ” إدَّينى قرش إنت وخلِّيه يوطِّى مراتبى” وأعتقد أن أ. لطفى الخولى قد أوحى إلينا ولخَّص بهذه العبارة ” حكاية الفيلم كله”.
شكراً للأساتذة العظام نجيب محفوظ وصلاح أبو سيف وعلى الزرقانى ووفيّة خيرى ولطفي الخولى وفريق العمل الدرامى بالكامل، شكراً على كل هذه السعادة وإثراء الفكر