م.علي عبد القادر يكتب: 100 مليار دولار صادرات بين الحقيقة و الخيال؟
بقلم/ عضو مجلس إدارة معهد الأحجار الطبيعية بالوليات المتحدة الأمريكية، عضو جمعية رجال الأعمال المصريين
هكذا هو دائما قدر الرئيس عبد الفتاح السيسي ان يفتح ملفات شائكة وصعبة بالمواجهة المباشرة للعقبات والمشاكل التي تعترض انطلاق مصر الجديدة نحو افاق التنمية الشاملة وعلى جميع المحاور والمستويات…نعم مصر تستطيع تحقيق رقم 100 مليار ولكن بالإرادة والتخطيط الاحترافي والتفكير خارج الصندوق
بالطبع هي فعلا حقيقة وليست خيالا لأنه رقم قابل للتحقيق وسبقتنا له دول كثيرة لا تتمتع بنصف ما تمتلكه مصر من مقومات عدة منها على سبيل المثال لا الحصر الموقع الجغرافي الفريد حيث تربط مصر قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا، كما انها تطل على البحرين الأبيض المتوسط والبحر الأحمر وبوجود قناة السويس تكتمل العناصر الجغرافية الحاكمة لحركة التجارة الدولية في هذه المنطقة الفريدة من العالم بين دول الشرق الأقصى وافريقيا وأوروبا.
أخيرًا آن الأوان لفتح ملف الصادرات المصرية الذي عاني من الجمود التصديري وتوقفت أرقامه عند حوالي الـ 18 مليار دولار في حده الأدنى و حوالي 26 مليار دولار في حده الأقصى للصادرات غير البترولية وذلك علي مدي أكثر من عقد من الزمان بينما سبقتنا دول عديدة و حطمت أرقاما قياسية في التصدير منها علي سبيل المثال فقط دولة بنجلاديش التي تصدر في قطاع واحد فقط ب 40 مليار دولار وهو قطاع الملابس الجاهزة و يشكل هذا الرقم حوالي ضعف الصادرات المصرية في جميع القطاعات التصديرية بينما لا تمتلك بنجلاديش المقاومات المصرية الهائلة للانطلاق نحو التصدير والأسواق العالمية.
وهكذا هو دائما قدر الرئيس عبد الفتاح السيسي ان بفتح ملفات شائكة وصعبة بالمواجهة المباشرة للعقبات والمشاكل التي تعترض انطلاق مصر الجديدة نحو افاق التنمية الشاملة وعلى جميع المحاور والمستويات.
نعم مصر تستطيع تحقيق رقم 100 مليار ولكن بالإرادة والتخطيط الاحترافي والتفكير خارج الصندوق.
أولا: يجب ان نتساءل لماذا عجزت الحكومات السابقة وحتى الحالية في زيادة حجم الصادرات المصرية على مدي أكثر من 12 عاما ولم يفتح هذا الملف الا عندما أصدرت القيادة السياسية توجيهاتها بالوصول الي رقم 100 مليار دولار ووضع الخطط والبرامج الزمنية لتحقيق هدف مصر في ان تصبح دولة مصدرة بحجم 100 مليار دولار الذي هو اقل كثيرا من قدرات مصر والتي سنستعرضها لاحقا.
الإجابة بكل بساطة ان مصر افتقدت وجود جهة او هيئة او مجلس يتولى وضع استراتيجية شاملة تشريعية وتسويقية واقتصادية وبحثية تكون مهمتها الاولي والوحيدة الوصول ا لي ارقام تصديرية أكبر ومراقبة الأداء لهذا الملف. ولقد دعونا كرجال اعمال مصريين مرارا وتكرارا الي تأسيس مجلس اعلي للصادرات المصرية برئاسة رئيس الجمهورية ليس من منطلق أهمية الملف ولكن لقدرة المجلس على التحرك بديناميكية والسرعة المطلوبة لتحقيق الأهداف المنشودة.
إذا نظرنا إلي التصدير من منطلق انه أحد مصادر الدخل القومي ويمكنه زيادة موارد الدولة من العملات الأجنبية إذا هو قضية مصيرية نطاقها أوسع وأكبر من ان تتولاه وزارة الصناعة والتجارة مع كامل الاحترام والتقدير الي الوزيرة النشيطة (نيفين جامع) لتكليفها منفردة بهذا الملف ووضع الخطط للنهوض به حيث انه يختزل صادرات مصر في قطاع الصناعة، ومما لا شك فيه انها تشكل نسبة كبيرة من الصادرات المصرية بالمفهوم التقليدي ولكن توجد قطاعات اخري عديدة ممكن تصديرها.
بالإضافة إلي أنه يوجد في بعض الأحوال تعارض بين الرؤي المختلفة بين أجهزة الدولة علي سبيل المثال رؤية وزارة الصناعة التي تريد منح مميزات للمجتمع الصناعي بينما يتعارض ذلك مع توجه وزارة المالية التي هدفها تعظيم موارد الدولة من رسوم وضرائب فتعترض علي منح إعفاءات او استثناءات لقطاع الصناعة. أيضا وزارة الداخلية التي مهامها الأولي الحفاظ على الأمن القومي المصري ومكافحة التهريب والتدقيق في كل رسائل الصادرات مما يشكل عبئا على الصادرات المصرية واجراءاتها في كل منافذ التصدير. كما ان وزارة العدل ممكن ان تقوم بدور فعال ونشيط في تعديل وتصويب البيئة التشريعية والقوانين التي تساعد على تبسيط وتسريع عملية التصدير والرقابة عليها.
يتضح مما ذكر أعلاه ولكل هذه الأسباب الحاجة الماسة لوجود مجلس اعلي للصادرات لزيادة سرعة التفاهم بين أجهزة الدولة ووزاراتها، بما يصب في وجود نهضة حقيقية في حجم الصادرات المصرية.
أيضا من مهام هذا المجلس هو طرح موضوع في غاية الأهمية وهو ماذا تستطيع مصر ان تصدره في كافة المجالات والقطاعات، هذا الطرح يجب ان يدعي اليه الخبراء والمتخصصين وجمعيات رجال الاعمال وممثلي الغرف التجارية ويتم تجميع هذه البيانات وعمل خريطة طريق للسلع والخدمات القابلة للتصدير والتي تبدأ من تصدير اسماك الزينة من البحر الأحمر ونبات الجوجوبا الذي يدخل في العديد من الصناعات الطبية وانتهاء بالقطاع التكنولوجي.
الهدف هو وضع خريطة متكاملة للصادرات المحتملة والعمل على وضع خطة تنفيذية لهذه الخريطة التي نفتقد وجودها في الوقت الحالي ولم تقم جهة واحدة بوضع تصور شامل لها والعمل على تطبيقها علي ارض الواقع.
إن الارتفاع بقيمة الصادرات المصرية يستلزم وضع إجراءات على المدي القصير والمتوسط والطويل وتشمل تبسيط إجراءات البيئة التشريعية، وتأسيس الجهات التنفيذية والبحثية الخاصة بوضع الية عمل هذا المجلس، وأيضا تأهيل الكوادر اللازمة لإدارة المنظومة.
إن المتابع إلي السياسات والاجتماعات التي تعقد بين العديد من الأطراف لوضع خطة تنفيذية للوصول إلي 100 مليار دولار سنويا يجد انها تدور في نفس الأطر الكلاسيكية التي اعتدنا على ذكرها من سنوات عديدة مضت و هي تنحصر في مطالب القطاعات المختلفة مثل سرعة رد الأعباء التصديرية او زيادة المعارض او تخفيض أسعار الطاقة أو الاعتماد علي مكاتب التمثيل التجاري في الخارج لتنشيط الصادرات و لم تتطرق من قريب او بعيد لوضع خطة متكاملة لتسويق السلع و المنتجات المصرية بالرغم من أهمية تلك المطالب إلا أنها لا تستطيع القفز بالصادرات لأنها مطالب فئوية أحيانا وقطاعية أحيانا أخري.
ان جهاز التمثيل التجاري التابع لوزارة الصناعة والتجارة وبالرغم من وجد عناصر غاية في الكفاءة والإخلاص والحرفية الا انه قد ظلم كثيرا في تحميله وحدة عبء التطوير والتسويق بالرغم من قلة توافر الاعتمادات المالية له وافتقاره الي وحدات الأبحاث والتطوير “R&D” اللازمة لاستقراء الأسواق واتجاهاتها في جميع القطاعات بالأسواق المستهدفة وبدلا من دعم مكانته في افريقيا كانت هناك خطط في عهد وزراء سابقين لغلق هذه المكاتب او على الأقل تقليلها.
أيضا بتحليل تقرير الصادرات المصرية حاليا من واقع بيانات الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات نجد ان أرقاما وحقائق تدعونا الي سرعة وضع استراتيجية متكاملة وانشاء مجلس اعلي للصادرات.
من هذه الأرقام المثيرة ان 50% من الصادرات المصرية توجه الي عشرة أسواق فقط في العالم وهي (الولايات المتحدة الامريكية، الامارات، السعودية، تركيا، إيطاليا، بريطانيا، شمال ايرلندا) وعلى نطاق اقل تأتي مالطة واسبانيا وليبيا وكندا. هذه الأسواق تستوعب ما قيمته حوالي 13 مليار دولار. اما باقي دول العالم وهي حوالي 190 دولة فأما لا يوجد صادرات مصرية بالأساس او تشكل 50% المتبقية من الصادرات بالرغم من وجود 54 دولة افريقية ترتبط معها مصر باتفاقيات تجارية تتيح لها النفاذ الي هذه الأسواق الواعدة والأكثر تحقيقا لمعدلات نمو مرتفعة اقتصاديا حيث صادرات مصر لها 1% فقط من ورادتها من دول العالم (المصدر جهاز التمثيل التجاري).
وبمتابعة تقرير الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات نجد ان صادرات مصر تنحصر في خمسة قطاعات كبري بقيمة حوالي 18 مليار دولار وهي منتجات كيماوية واسمدة ثم مواد البناء ويليها الصناعات الغذائية وأيضا السلع الهندسية ثم الحاصلات الزراعية وأخيرا الملابس الجاهزة، ثم تأتي بعد ذلك خمسة قطاعات اخري بقيمة أصغر حوالي 2.5 مليار دولار وهي الغزل والمنسوجات والطباعة والصناعات الطبية والمفروشات والحرف اليدوية وأخيرا الجلود والمنتجات الجلدية.
اذن انه من غير المنطقي اختزال الصادرات المصرية في خمسة قطاعات كبري وعدم التركيز علي افاق جديدة. ولنأخذ مثال بسيط نلمسه في حياتنا اليومية وهو دولة الصين وكيف استطاعت ان تغزو الأسواق العربية بتصنيع سجادة الصلاة وفانوس رمضان والزي العربي وكل ما تحتاجه هذه الأسواق من احتياجات سلعية محلية تتناسب مع عادات وتقاليد شعوب المنطقة بما يدل علي نجاح دراسة السوق المستهدف وعاداته ومن ثم التركيز على تصنيع احتياجاته.
إن العالم يتغير ويتطور بوتيرة سريعة للغاية وان أساليب التسويق وجمع المعلومات أصبحت تعتمد على التكنولوجيا والرقمنة. فلابد من العمل من الآن على إنشاء منصة الكترونية لتسهيل تصدير المنتجات المصرية من خلالها وتخضع هذه المنصة لمعايير جوده عالية لضمان سمعة الصادرات التي تصنف من خلالها.
كما لا بد من وضع آلية للاستفادة من المنطقة الاقتصادية بمحور قناة السويس وجذب تجارة الترانزيت والمستثمرين للدخول في مشروعات تتمتع بالإعفاءات الجمركية باعتبارها مناطق حرة مما يمكنها من النفاذ للسوق الافريقية وأيضا دراسة تقليل نسبة المكون المحلي في المنتجات تامة الصنع من انتاج المنطقة الاقتصادية بشهادة منشأ مصرية.
وهكذا تتضح الحاجة الملحة إلي إنشاء مجلس اعلي للصادرات المصرية تكون مهمته الأساسية وضع الخطط والأطر التنظيمية والتشريعية وتحسين أداء قوة العمل وقياس الأسواق نحو تحقيق الحلم المصري 100 مليار دولار صادرات.