عقد المركز المصري للدراسات الاقتصادية، اليوم الخميس، ندوة لمناقشة الدراسة التى أعدها المركز عن المطور الصناعى بعنوان: “تقييم تجربة المطور الصناعى فى مصر وإمكانات وفاعلية التوسع فيه مستقبلا”، بحضور ممثلي الحكومى والقطاع الخاص من المطورين الصناعيين.
وتعد الدراسة أول تقييم لتجربة المطور الصناعى فى مصر منذ بدأت عام 2007، ومدى نجاحها في جذب الاستثمار الصناعي، فى ظل استمرار فجوة الطلب على الأراضي الصناعية المرفقة وضعف قدرة الدولة على توفيرها، والتي تعد السبب الأساسي في البدء في تجربة المطور الصناعي، و تكرار شكاوى المستثمرين المحليين والأجانب من عدم توفر الأراضي الصناعية وصعوبة التعامل مع الجهات الحكومية، فى الوقت الذى تمر فيه مصر الآن بنقطة فارقة في احتياجها للاستثمار الصناعي يمكن أن يكون المطور الصناعي مفيد فيها، ووجود جهود جادة من قبل هيئة التنمية الصناعية لتحسين طرح الأراضي الصناعية للمطور الصناعى، ومن ثم من الأهمية أن تكون تلك الجهود مبنية على أساس تقييم علمي سليم.
وأشارت الدراسة إلى أن المناطق الصناعية المقامة من خلال المطور الصناعي (19 منطقة) تشكل نحو 11.5% من إجمالي المناطق الصناعية المقامة على مستوى الجمهورية، وقد تم طرح %89.5 من عدد المناطق الصناعية المقامة من خلال المطور الصناعي من خلال هيئة التنمية الصناعية (17 منطقة) تقدر مساحتها الإجمالية بنحو 22.7 مليون متر2، وتكاليف استثمارية تقدر بنحو 32.9 مليار جنيها، بالإضافة إلى منطقتين تم طرح أحدهما من خلال الهيئة العامة للمجتمعات العمرانية، والأخرى تم طرحها من خلال الهيئة الاقتصادية لقناة السويس (محافظة السويس سابقاً). وتتواجد الغالبية العظمى من المناطق الصناعية المقامة من خلال المطور الصناعي في السادس من أكتوبر والعاشر من رمضان (13 منطقة). هذا بالإضافة إلى 4 مناطق في مدينة السادات، ومنطقة في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس والأخيرة في العلمين الجديدة.
وأكدت الدراسة أنه من واقع تحليل البيانات، فهناك دور واضح للمطور الصناعى فى جذب الاستثمارات، حيث قام المطور الصناعي بتطوير 80% من إجمالي الأراضي الصناعية في مصر التي تم تطويرها حتى 2016، لافتة إلى أن كل مليون متر مربع يتم تطويره، يجذب استثمارات في المتوسط من (1 -2 مليار دولار)، وذلك بخلاف استثمارات تطوير البنية التحتية (لكل مليون متر مربع) والتي تقدر في المتوسط في حدود 500 مليون جنيه بدون ثمن الأرض (بأسعار ما قبل التعويم الأخير)، كما أن ما يقرب من 70% من إجمالي عدد الشركات العاملة في مناطق المطور الصناعي تعمل في قطاعات هامة في الاقتصاد المصرى تضم الصناعات الهندسية، والغذائية والكيماوية والمنسوجات. وتشكل هذه القطاعات مجتمعة 76% من إجمالي الشركات العاملة في الصناعات التحويلية في مصر و44% من إجمالي القيمة المضافة للصناعات التحويلية في مصر، وقد استطاع المطور الصناعى أن يجذب استثمارات كبرى الشركات المحلية والعالمية، كما نجح فى جذب الاستثمار الصغير والمتوسط.
وفى استبيان أجرته الدراسة حول أسباب اختيار المطور الصناعى، أكد 83% من المستثمرين أنهم سوف يختارون المطور الصناعي في حالة القيام باستثمار جديد ويرجع ذلك لعدد من الأسباب منها: سهولة تخصيص الأرض وسهولة الإجراءات اللازمة، وتوفير بيئة صالحة للاستثمار بأسلوب حضاري ومشجع للاستثمار الأجنبي، وجودة الخدمات المقدمة، ووجود خيارات متعددة من أرض ووحدات مبنية بمساحات مختلفة، وحسن التخطيط للمنطقة، كما يتوفر لدى المطور الآليات للمساعدة في كل الطلبات وكيفية عمل استثمار جديد.
وأرجعت الدراسة أسباب نجاح تجربة المطور الصناعى لاعتماده على نموذج أعمال يختلف عما هو مطبق من خلال الجهات الحكومية ذات العلاقة، مشيرة إلى عدد من التحديات التى تواجه المطور الصناعى فى مصر والتى تتمثل فى تعدد جهات الولاية على الأرضى الصناعية وغياب مخطط استراتيجي قومي للأراضى، وغياب فلسفة طرح الأراضي للمطور،و عدم وضوح الإطار القانوني الذى يعمل من خلاله المطور، وغياب المرجعية التي يتم على أساسها تعديل قواعد الطرح، وازدواجية الدور الذى تقوم به جهات الولاية.
وشددت الدراسة على أن زيادة الاستثمار والتصدير هما طوق النجاة لخروج مصر من الأزمة الحالية بشكل مستدام والمطور الصناعي هو الوسيلة الأسرع والأكثر كفاءة اقتصاديا للمساهمة في الهدفين، ولكن هناك خلل فى العلاقة بين الحكومة وطرفى المنظومة “المطور والمستثمر” مما يحد من الاستثمار الصناعى.
وقالت الدراسة أن تعظيم الاستفادة من المطور الصناعى يتطلب العمل على أربعة محاور تتمثل فى حل المشاكل الإجرائية التى يعانى منها المطور، وضمان عدم مزاحمة الحكومة للمطور الصناعي واقتصار دخولها بشكل تنفيذي في المناطق التي يصعب على المطور العمل فيها، ورؤية واضحة للحكومة عن أهمية دور المطور الصناعي وتسهيل حصوله على الأراضي لتحقيق زيادات سريعة في الاستثمار، وتوفير المعلومات عن مجالات الاستثمار لمساعدة المطور في الترويج، وأكدت على أن الحل الجذرى للمشكلة يتمثل فى تغيير نظرة الحكومة للمطور الصناعى من منافس إلى شريك يساعدها على تحقيق مستهدف جذب الاستثمار الصناعى وتحقيق التنمية الصناعية.
وعقب محمد قاسم رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية العالمية للتجارة، وأحد رواد التطوير الصناعى، أن الدراسة تعرضت للعديد من مشاكل المطور الصناعى والتى استعرض خلفيتها التاريخية منذ بدايتها، لافتا إلى أنه بالنظر للوضع العام فلدينا عجز ضخم فى الأراضى والمرافق من احتياجاتنا من الاستثمار الصناعى، مشيرا إلى عدم نجاح مشروع إنشاء المدينة النسيجية فى صعيد مصر منذ عهد عدد من الوزراء السابقين وحتى الآن نتيجة عدم قيام الحكومة بتوصيل المياه على رأس الأرض، ولفت إلى وجود تغيرات كبيرة وسريعة فى سلاسل الإمداد العالمية، ومصر لديها فرصة ذهبية فى جذب استثمارات جديدة وهناك حاجة لسياسات مالية ونقدية واقتصادية مواتية لذلك.
من جانبه أشاد الدكتور وليد عباس معاون وزير الإسكان لشئون هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة – ممثلا لوزير الإسكان – بدراسة المركز التى أظهرت كافة تحديات التجربة بشكل علمى، وشدد على أن الحكومة تثمن دور المطور الصناعى لأنه سيتحمل كثير من العبء عن كاهل الحكومة، لافتا إلى أنه يجرى العمل بالتعاون مع هيئة التنمية الصناعية ووزارة التنمية المحلية على تطوير المنظومة، حيث تم بالفعل وضع قواعد واضحة لتخصيص الأراضى للمطور الصناعى تم اعتمادها بالفعل، ويجرى النقاش مع ممثلين عن المطورين الصناعيين لتحديد السعر المناسب للأرض، وتم بالفعل تخصيص نحو 9 آلاف فدان فى 4 مدن هى كتوبر الجديدة وأسوان والفيوم والعلمين، ولكن بالنسبة للعقود فتستغرق وقتا للوصول إلى عقد يحفظ حقوق كافة الأطراف “المطور والمستثمر والحكومة”.
وشدد عباس على اتفاقه الكامل مع نتائج الدراسة، مؤكدا أن الحكومة لا تنافس المطور الصناعى وليست ضده، وأن نجاح المطور الصناعى فى جذب الاستثمار هو نجاح للحكومة والدولة بأكملها.
وأشاد أيضا المهندس محمد عبد الكريم رئيس الهيئة العامة للتنمية الصناعية بالمجهود الكبير المبذول بالدراسة، معربا عن اهتمامه الشديد بالاستفادة من نتائجها لتكون الأساس الذى يتم التشاور من خلاله مع المطورين لتذليل كافة العقبات التى تواجه عملهم والوصول إلى أفضل صيغة للعقود، مؤكدا أن إدارة المجمعات الصناعية والترويج لها وبيعها هو دور أصيل للمطور الصناعى وليس الحكومة، فهو الأقدر على الترفيق، وهو توجه الهيئة الحالى بالفعل.
وأشار عبد الكريم إلى بدء التشاور مع المطورين حول “العقد الثلاثي المتوازن” بين الحكومة والمطور والمستثمر، ولكن تم انتظار الانتهاء من هذه الدراسة للاستفادة من نتائجها للوصول إلى أفضل صيغة ممكنة للعقد تتلافى المشكلات السابقة، مؤكدا فى الوقت نفسه أهمية وجود حل مؤسسى للعلاقة بين التنمية الصناعية وهيئة المجتمعات العمرانية لمنع حدوث تضارب بين جهات الحكومة، حيث يتم التحرك والتعاون بين الجهتين بشكل جيد حاليا استنادا إلى العلاقات الشخصية الجيدة وهذا لا يعد حلا جذريا للمشكلة.
وطالب عبد الكريم بإتاحة كافة بيانات الأراضى لجميع الجهات المعنية، وهناك اجتماعات تمت بالفعل بين وزراء الصناعة والإسكان وهيئتي المجتمعات العمرانية والتنمية الصناعية للوصول إلى آلية لحل الموضوع فى ظل وجود كافة معلومات الأراضى لدى المجتمعات العمرانية، كما سيتم الحديث أيضا مع التنمية المحلية والمحافظات للوصول إلى آلية للحل، لأن الأراضى هى عنصر مُمَكن للاستثمار فى مصر.
وشدد على عدم وجود أى تنافس بين الحكومة والمطور الصناعى، وأن المطور هو الحل السحرى للاستثمار فى مصر، وقال أن وجود تشريع منظم لعمل المطور الصناعى نقطة جيدة ولكن هناك حاجة لتعاقد جيد ووضوح الرؤية للقطاع والمطور الصناعى، مؤكدا أنه سيتم الاستفادة مما تم التوافق عليه خلال المناقشات بالندوة ليتم وضعه كأساس للرؤية بين الحكومة والمطور والمستثمر.
المهندس كريم سامي سعد رئيس مجلس إدرة شركة سامكريت القابضة للتطوير الصناعى، أشاد بالدراسة التى أظهرت كافة التحديات التى يواجهه المطور الصناعى فى مصر، وقال أن الجيل الأول من المجتمعات الصناعية تأسس فى الثمانينات من القرن الماضى، وتأسس الجيل الثانى على يد المطور الصناعى منذ نحو 15 عاما، وهى تجربة ناجحة جدا مقارنة بالجيل الأول نجحت فى جذب استثمارات صناعية مميزة، فلم يقف دور المطور الصناعى على ترفيق الأراضى ولكن امتد لتطوير مفاهيم جديدة فى الصناعة حيث يقوم المطور بعمل سلاسل القيمة فى المنطقة التى يطورها، واهتم المطور بالتدريب والمدارس الصناعية. وأعلن سعد عن اتفاق شركتى سامكريت والسويدى على بدء توطين صناعة صوامع الغلال فى مصر بتكلف من وزير التموين أمس.
وطالب سعد بضرورة وجود رؤية للجيل الثالث من المناطق الصناعية فى ظل المنافسة العالمية الشرسة، والاستفادة من تجارب الدول الأخرى فى هذا المجال، والاهتمام بالتوجه نحو التصدير، وأعرب فى الوقت نفسه عن مخاوفه من فكرة العقد الثلاثي الذى تحدث عنها ممثلي الحكومى وما يمكن أن ينتج عنه من تدخل الحكومة فى التعاقد بين المطور والمستثمر، ودعا إلى تفعيل مكاتب الاعتماد التى نص عليها القانون، وهو ما رد عليه رئيس هيئة التنمية الصناعية معلنا بدء العمل بالفعل لمكاتب الاعتماد التى تم اعتمادها خلال أسبوع لتيسير الإجراءات.
وقال باسل شعيرة مدير عام مجموعة بولاريس ورئيس شعبة التطوير الصناعى باتحاد الصناعات، أن الدراسة غطت بالفعل كافة ما يتعلق بالتطوير الصناعى، ومن الواضح وجود اتفاق بين الجميع على أهمية المطور الصناعى.
وطالب شعيرة بوجود استراتيجية واضحة لطرح الأراضى تمكن الشركات من عمل دراسات الجدوى، وعدم المساس بالمرونة فى العلاقة بين المطور والمستثمر فى ظل وضوح العقد بينهما.
وأكدت الدكتورة عبلة عبد اللطيف المدير التنفيذي ومدير البحوث بالمركز أن تجربة المطور الصناعى حققت نجاحا كبيرا بالفعل، وهناك اجتهاد حكومى جيد فى حل المشكلات التى تواجهه ولكن المشكلة الأكبر تتمثل فى عدم وجود إطار مؤسسى للمنظومة، وشددت على أن القطاع الخاص جزء من عملية صنع القرار ولا يجب أن يكون مجرد متلقى، كما أن عنصر الوقت ليس فى صالحنا وهو ما يتطلب تحركا سريعا فى هذا الملف لما للمطور الصناعى من دور محور جذب الاستثمارات الصناعية، معلنة عن عزم المركز دراسة تجارب الدول الأخرى فى الجيل الثالث للمناطق الصناعية للاستفادة منها فى مصر.