الدكتور محمد مصطفي القاضي يكتب: سيادة المواطن

 

“تحب تبقي ضد مصلحة الدولة العليا…
لا يا فندم أنا مش ضد مصلحة الدولة العليا…
بس انتوا كمان مش لازم تبقوا ضد مصلحتي أنا السفلى”

منذ عام ٢٠٠٥ بعد أن شاهدت هذا المشهد من فيلم السفارة في العمارة وأنا أتسائل هل مصلحة المواطن هي السفلى؟ هل يوجد تضارب بين مصلحة المواطن ومصلحة الدولة؟ ما هي مصلحة المواطن؟، ثم ما هو الوطن؟

مما لا شك فيه أن للوطن مصالح عليا وأمن قومي ومُقدرات يجب الحفاظ عليها، وغالبًا ما يجب أن يكون المواطن من أهم المقدرات المكونة للوطن، مثل الحدود السياسية المتغيرة أو الأنظمة الحاكمة المتضادة، فهذه البقعة من الأرض التي تجمع مجموعه من البشر مرتبطين ومنتمين لهذا المكان بعلاقة تبادلية من المصالح المشتركة، يدفعون ضرائب ويحصلون في المقابل على خدمات أساسية، يدافعون عن الوطن مقابل الأمان لهم ولأسرهم، يختارون من يدير لهم مواردهم لتوفير الحقوق الأساسية لهم.

ولعل أهم ما يبحث عنه المواطن هو مستوى جودة الحياة التي يحصل عليها وهو ما قد يدفع البعض للبحث عن الهجرة بعيدًا عن الأهل والبيت والذكريات مضحيًا بكل ذلك من أجل فقط الحصول على مستوى جودة للحياة يناسب معاييره الشخصية والإنسانية ويحقق طموحاته.

في كثير من دول العالم ينتخب المواطنون حكامهم على أساس نجاحهم في تحسين جودة حياتهم، في تطوير برامج التأمين الصحي، تحسين مستوي التعليم الحكومي المجاني، توفير إطار لحق السكن لكل مواطن وتوفير الطرق المناسبة الأمنه، إن المواطن يعيش سنوات محدودة علي أرض الوطن، يحلم بعيشه هانئة وآمنة، لا يخاف من الجوع أو التشرد أو البطالة، يريد أن يعمل عملًا يناسب كفائته، يريد مواصلات مريحة ورخيصة وإنسانية توصله لعمله وبيته، بيت صحي آمن يوفر له الدفيء والبيئة المناسبة والهواء النظيف والمياه الصالحة، يحصل على بضعة أيام كل عام يخرج فيها من روتين الحياة إلى مكان مختلف يشعر فيه بالتغيير ليتمكن من استكمال مسيرته.

هذه الحقوق البسيطة وبغض النظر عن مؤشرات جودة الحياة العالمية، هي ما تشكل مستوى الحياة الذي يرغب فيه المواطن، أحلام بسيطة لكنها تستحق أن تشكل الإهتمام الأول للوطن، تستحق أن تكون الدافع لكل قرار يُتخذ أو قانون يتم إصداره أو إجراء يتم تنفيذه، تستحق أن يوجد مؤسسة أو هيئة تعمل على وضع الأهداف والاستراتيجيات التي تحقق مؤشرات ومعايير جوده الحياة في مصر وتحدد دور كل وزارة وهيئة لتحقيق هذه الأهداف وتضع هذه المؤسسة الخطط الاستراتيجية ووسائل تقييم كل جهة مما قد يدفع بكل الجهات لتحول أهدافها إلى تحسين جودة حياة المواطن.

نحن لا نبحث عن مجلس أو مؤسسة أو وزارة تكمل الصورة المؤسسية للدولة وتتشابه في النهاية مع المؤسسات القديمة وتنخرط في الإطار المحدود للبيروقراطية المصرية، ولكن نبحث عن مؤسسة مستقلة تجمع خيرة الخبراء والعلماء المصريين في الداخل والخارج وكذلك الخبراء العالميين المتخصصين في مستوي جودة الحياة، يعملون في إطار مؤسسي خارج النطاق التقليدي، هدفهم وضع معايير لجودة الحياة في مصر محورها الرئيسي هو المواطن.

وقد تصبح هذه المؤسسة نواة لإنشاء “المجلس المصري لجودة الحياة”، الذي يصبح المؤسسة المستدامة لوضع أهداف الدولة المصرية ومراجعتها دوريًا ووضع مؤشر مصري لجودة الحياة، لعلها تكون بداية لتغيير وجه الحياة في مصر لصالح مصلحة المواطن العليا.

إن مصلحة المواطن والوطن تتكاملان ولا تتضادان وقد يكون تحقيق مصلحة المواطن هو ما يدفعه للدفاع عن مصلحة الوطن بكل ما أوتي من قوة بدون شعارات أو أغاني أو إجبار ويشعر فعليًا بملكيته للوطن.. وللحديث بقية.

آخر الأخبار