الدكتور محمد مصطفى القاضي يكتب: البريكس.. فرصة مصر

بحلول يناير 2024 ستصبح مصر عضوًا كامل العضوية في مجموعة البريكس التي تأسست سنة 2006 وعقدت اول مؤتمر لها في 2009 والذي ضم البرازيل وروسيا والهند والصين ثم جنوب افريقيا في 2010، وتعمل البريكس على تشجيع التعاون التجاري والسياسي والثقافي بين دول المجموعة.

ويأتي إنضمام مصر والامارات والسعودية وإيران واثيوبيا والأرجنتين في إطار سعي العديد من الدول للانضمام للبريكس رغبة في الاستفادة من المميزات السياسية والاقتصادية التي تتيحها وفي إطار بحث مجموعة البريكس عن إضافة شرعية دولية سياسيًا واقتصاديًا وإعادة التوازن للقوي العالمية.

يجب أن ننظر لانضمام مصر إلى هذه المجموعة نظرة موضوعية وتحليلية صادقة حتى نستطيع تعظيم الاستفادة من هذه الخطوة التي قد تشكل تحولًا إيجابيًا في موقف الدولة المصرية سياسيًا واقتصاديًا، ولاسيما ومجموعة البريكس تشكل 40% من سكان العالم وتشكل نحو 26% من الناتج الإجمالي العالمي بإجمالي 56.56 تريليون دولار، وقد يصل إلى 30% من اقتصاد العالم بعد توسعة قاعدة العضوية الأخيرة، وهناك تقديرات بأن يفوق الناتج الإجمالي للمجموعة في 2030 الناتج الإجمالي للدول الصناعية السبع الكبرى.

وتمتلك البريكس “بنك التنمية الجديد” الذي تأسس في 2015 برأس مال اولي 50 مليار دولار ليكون معادل البنك الدولي ويهدف إلى التنمية ولا سيما في البنية التحتية وبناء شراكات تنموية واسعة النطاق وقد اشتركت مصر في بنك التنمية الجديد في 2021 بمساهمة حوالي 1.2 مليار دولار وتأسس معه ترتيب احتياطي طوارئ البريكس (BRICS contingent reserve arrangement) ليكون معادل صندوق النقد الدولي براس مال 100 مليار دولار الذي يقدم قروضًا وضمانات للمشاريع التنموية ويدخل شريكا في تأسيسها.

ما يتضح من بعد التوسعة الأخيرة أننا بصدد الإعداد لتغيير جيو-اقتصادي على مستوي العالم حيث يصعد إلى السطح قوي اقتصادية توازي الدول السبعة الكبرى ويشكل إنضمام مصر إلى هذه القوى الصاعدة فرصة لا تقدر بثمن للدولة المصرية إذا نجحت في الاستفادة من توافق المصالح وتطابق الأهداف مع دول المجموعة مثل محاولة إنهاء سيطرة الدولار علي التجارة العالمية عن طريق إستخدام عملات الدول الأعضاء في التجارة بينهم كذلك العمل علي انشاء عملة موحدة للتجارة داخل دول البريكس، وهو ما قد يساهم في تقليل معاناة الدولة المصرية في تدبير الدولار للوفاء باحتياجاتها الرئيسية إذا ما تم إدارة ملف العملة الموحدة لدول البيركس بصورة توافقية، ويمكن لمصر الاستفادة من القدرات المالية والفنية لبنك التنمية الجديد الذي يسعي بقوة لأثبات وجودة كقوة اقتصادية شريكة في التنمية قبل أن يلعب دور المقرض المالي فقط.

تشكل الظروف الاقتصادية المصرية بشكل عام وكذلك المؤشرات الاقتصادية مع الدول الأعضاء تحديا رئيسيًا حيث يأتي العجز الكبير في الميزان التجاري بين مصر ودول البريكس لصالح الدول الأعضاء علي رأس التحديات، فطبقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فإن صادرات مصر للدول الأعضاء لم تتعدى 4.9 مليار دولار خلال عام 2022 بينما تخطت الواردات حاجز الـ 23.6 مليار دولار لنفس العام، وهو ما قد يشكل ضغطا علي الدولة المصرية في تدبير عملات الدول الأعضاء اذا ما لم يتم تدارك هذا الخلل فورا والعمل بصورة سريعة علي وضع خطط لزيادة الصادرات لهذه الدول بشكل يعدل من العجز في الميزان التجاري.

ولا تكاد تصل استثمارات دول البريكس في مصر إلى مليار دولار سنويًا وهو رقم متواضع مرشح للمضاعفة مرات عديدة اذا وفرت مصر المناخ والفرص المناسبة لدول البريكس الذين يبحثون عن أسواقًا كبيرة وفرصًا للاستثمار تحقق لهم أهدافهم من إعادة الهيكلة الجيو-سياسية والجيو-اقتصادية للعالم، مما يعني إمكانية ضخ مليارات الدولارات في استثمارات تنموية في جميع القطاعات، حيث تهدف المجموعة رفع الناتج القومي للمجموعة الذي تستحوذ الصين فيه علي أكثر من 70% من اقتصاديات المجموعة والهند علي 13%.

إن إدراك مصر للتحديات الجيو-سياسية للانضمام للبريكس مثل الوقوف في معسكر لا ينظر له بشكل ودي من جانب الولايات المتحدة التي تسعي إلى الحفاظ على مكانتها كقطب أوحد فى مواجهة القوي الصاعدة التي تسعي إلى عالم متعدد الأقطاب مما قد يشكل تحديًا أمام السياسة المصري التي قد تبدو في وضع حرج أمام الولايات المتحدة هي والهند اللذان يتمتعان بعلاقات سياسية واقتصادية متميزة مع الولايات المتحدة.

إن انضمام مصر إلى مجموعة مثل البريكس التي أصبحت آخذة في الصعود بعد حرب أوكرانيا وعدم مشاركة دول المجموعة في العقوبات المفروضة على موسكو وهو ما يعني مزيدًا من الاستقلال والسيادة لهذه الدول التي لا ترغب في العيش بعالم القطب الواحد ومضاعفة القوة تجاه إيجاد عالم متعدد الأقطاب للمساعدة في إيجاد بدائل اقتصادية وتنموية بعيدة عن شروط التصحيح الهيكلي وفرض سياسات غير مناسبة للظروف المحلية لكل مجتمع قد يشكل مسارًا مثمرًا على الجانب الاقتصادي والسياسي لمصر ويحقق الرخاء والتقدم للأجيال القادمة.

الرابط المختصر
آخر الأخبار