جهود الدولة في التنمية الزراعية

كتب: فاروق الحاج

 

المشروعات الزراعية الجديدة ودورها في الحفاظ على الآمن الغذائي المصري

المشاريع المائية وتطوير وترشيد استخدام مياه الري الزراعي

لمشاريع القومية لتنمية الثروة الحيوانية والداجنة والسمكية عن طريق زراعة الأراضية المستصلحة

 

يُعد القطاع الزراعي مكونًا رئيسيًا للاقتصاد المصري لذلك وضعت الدولة المصرية محور التنمية الزراعية  في اطار مستدام على رأس أولوياتها، في ظل سعي مصر لزيادة مساهمة قطاع الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى زيادة الإنتاج الزراعي بهدف تلبية الاحتياجات الغذائية الداخلية وتحقيق الاكتفاء الذاتي، ومن ثم مضاعفة حصة الصادرات الزراعية، وبما يسمح بعودة مكانة مصر الزراعية في الأسواق العالمية لتنافس المحاصيل العالمية، ومن أجل ذلك قامت مصر بالانتهاء من تنفيذ والإعلان عن عدد من المشاريع القومية الزراعية التي تم تنفيذها مؤخرا، ومنها مشروع المليون ونصف مليون فدان ومشروع إنشاء 100 ألف صوبة زراعية وكذلك تنمية شمال ووسط سيناء ومشروع الدلتا الجديدة، كما أعلنت الدولة عن مبادرات لتعزيز الإنتاج المحلي، والتركيز على الزراعة المستدامة والخضراء، وهو الأمر الذي أدى إلى رفع التوقعات بشأن تحقيق الزراعة في السوق المصرية معدل نمو سنويًا مركبًا يبلغ 3.2٪ خلال الفترة (2022-2027). وتهدف مصر إلى زيادة مساهمة قطاع الزراعة في الناتج المحلي بحلول عام ٢٠٢٤ عما هو محقق في الوقت الحالي.

 

 

وبالرغم من التحديات التي تواجه القطاع الزراعي المصري إلا أن الحكومة قامت بتنفيذ عدة مشاريع، لتعزيز أداء القطاع الزراعي، وخلق فرص عمل للخريجين الشباب من خلال التوسع في الأراضي المزروعة عبر استصلاح مناطق جديدة في الصحراء لتلبية الاحتياجات الغذائية لعدد متزايد من السكان. وعليه، فقد بدأت الحكومة المصرية في الإعلان عن زيادة الاستثمار بشكل كبير في الزراعة من خلال تبني عدد من المبادرات مثل “مشروع مليون ونصف فدان”، والريف المصري” والدلتا الجديدة”، وغيرها.

 

وفى هذا الإطار فقد صرحت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية بأنه فيما يتعلق بإجمالي الاستثمارات الزراعية عام 2021/2022، فإنه تم تخصيص مبلغ 73.8 مليار جنيه التي تمثل 5.9٪ من إجمالي الاستثمارات مقابل حجم الاستثمارات في القطاع والتي بلغت 43 مليار جنيه في عام 2020/2021، أي بنسبة زيادة بلغت 72%، ومقارنة باستثمارات محققة بلغت 39.5 مليار جنيه عام 19/2020، وبنظرة شاملة على إعلان مجهودات الدولة المصرية مؤخرا خلال الفترة الحالية يمكن إيجاز استراتيجية التنمية الزراعية الحديثة والتي تتضمن عدة محاور يمكن سردها في الحوار التالي .. هكذا أستهل الدكتور فوزي أبودنيا مدير معهد بحوث الإنتاج الحيواني (سابقا) حديثة مع “القرار المصري”

 

 

ما هي محاور استصلاح الأراضي؟

 

ففي هذا الصدد تم الإعلان عن عددًا من المشاريع الزراعية التنموية على راسها يأتي الاهتمام باستصلاح مليون ونصف المليون فدان ليصل إجمالي مساحة الأراضي المستصلحة لنحو 2 مليون و86 ألف فدان في مناطق غرب المنيا شمال ووسط سيناء بمنطقة رابعة وبئر العبد ومشروع الدلتا الجديدة ويشمل مشروعي مستقبل مصر جنوب محور الضبعة ومشروع منطقة سهل بركة بالفرافرة وبالتالي تكون أراضي الاستصلاح إجمالا قد زادت إلى 3.3 مليون فدان وهذه المساحة تمثل 35% من مساحة الأرض الزراعية في مصر والتي بلغت 9.3 ملايين فدان، يأتي بالإضافة الى ذلك مشروع إنشاء المائة ألف صوبة زراعية.

 

يهدف محور استصلاح الأراضي لإنشاء نموذج للريف المصري الحديث لاستعادة مصر لمكانتها كدولة زراعية كبيرة وللوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من زراعة المحاصيل ، وذلك لزيادة الرقعة الزراعية بنسبة 20%، وتقليل الفجوة الغذائية، بالإضافة إلى خلق فرص استثمارية واعدة فى مجالات متعددة، وكذا إقامة المشروعات التي تستهدف الصناعات الغذائية، ويمتد المشروع ليشمل مساحات واسعة، متركزًا في مناطق كانت في السابق خارج خطط التنمية مثل الصعيد وسيناء والدلتا وجنوب الوادي، وفى هذا الاطار وقع الاختيار على ثماني محافظات هي أسوان، والمنيا، ومطروح، والوادي الجديد، وقنا، والإسماعيلية، والجيزة، وجنوب سيناء، لقربها من شبكة الطرق القومية والمناطق الحضارية وخطوط الاتصال بين المحافظات.

 

 

وبالتالي يتحقق الهدف الأسمى لهذه المساحات المستصلحة، بتحقيق التنمية المستدامة في المناطق الريفية وتقليص الفجوة الغذائية وزيادة مساحة الأراضي المأهولة بالسكان عن طريق إنشاء مجتمعات سكنية جديدة حول المناطق الزراعية المُجَّهزة حديثًا، علاوة على النشاط الزراعي المستهدف من المشروع، يرتبط المشروع كذلك بتنمية التجمعات العنقودية لصناعة الأغذية والمشروبات والتعبئة وتجهيز الزيوت وخلافه.

 

بالإضافة إلى بناء وحدات سكنية جديدة، وتوفير خدمات طبية وتعليمية في محيط هذه المناطق لخلق مجتمعات سكنية متكاملة جاذبة للعمالة المحلية وللمستثمرين الأجانب. وتشير التقارير الاقتصادية لهذا المحور بان المساحات المستصلحة سوف تسهم الى حد كبير في سد الفجوة الغذائية، وتحقيق نسبة مرتفعة من الاكتفاء الذاتي.

 

 

 اهمية المشاريع المائية لتطوير وترشيد استخدام مياه الري الزراعي؟

 

يأتي ذلك في إطار نقل مياه مصرف المحسمة وبحر البقر لشرق قناة السويس، وإنشاء ترعة الحمام الجديدة ويسير هذا مع تبطين الترع والمصارف وتغطياتها داخل الكتل السكنية مع الاهتمام بتعظيم كفاءة استخدام المياه في الأراضي القديمة، وهذا من خلال تطبيق تقنيات الزراعة الحديثة، بالإضافة الى اهتمام الدولة بإنشاء وتدعيم الترع القومية والرئيسية، الاهتمام بمشروعات الحماية من أخطار السيول لتجميع مياه أمطار والاستفادة منها، وكذا تطوير وتنوع أساليب الري الحديث، والاستفادة من المياه الجوفية وترشيد استخدامها.

 

كل هذه المشاريع سوف تسهم في التقليل من تكاليف مستلزمات الإنتاج الزراعي والتسميد، كما انها سوف تساهم فى توفير المياه بنسبة تصل إلى 40٪ من مياه ري المحاصيل الزراعية، كما أنها سوف تؤدى الى زيادة الإنتاجية الزراعية بنسبة تصل إلى 30٪ كما يوفر رش المبيدات الضارة بالإضافة الى أنها سوف تسهم في رفع جودة المحاصيل وخفض تكاليف التشغيل وزيادة ربحية المزارع.

 

 

اهتمام الدولة بإنتاج البذور المحسنة للمحاصيل والخضر؟

من ضمن اهتمامات الدولة القومية في مجال الزراعة توفير البذور والتقاوي المحسنة، مما يساهم في رفع إنتاجية المحاصيل، وينعكس على زيادة العوائد للمزارعين لتحسين أحوالهم الاقتصادية، وتمكين الضمان الاجتماعي في الريف المصري.

 

 

دور الدولة في تنمية الثروة الحيوانية والداجنة والسمكية؟

 

نظرا لان قطاع الثروة الحيوانية يعتبر أحد أهم القطاعات الأسرع نموًا بين قطاعات الاقتصاد الزراعي العالمي، إذ يسهم بنسبة تتراوح ما بين 20- 40% من إجمالي الناتج الزراعي في أى دولة ولتعزيز وتنمية الثروة الحيوانية، تعمل الدولة على تحسين رؤوس سلالات قطعان الأبقار والجاموس المحلية، والمتأقلمة مع الظروف المصرية لتحقيق إنتاجها عالية من الألبان واللحوم لتحقيق قدر كبير من الاكتفاء الذاتي، لتقليل الاستيراد، وأيضا لتدعيم ورفع مستوى معيشة صغار المربين والمزارعين. كذلك الاهتمام بالصحة والرعاية البيطرية.

 

 

وفى هذا الإطار تتبنى الدولة مجموعة من المحاور والمشاريع القومية لتنمية الثروة الحيوانية والداجنة والسمكية عن طريق زراعة الأراضي الجديدة المستصلحة بمحاصيل الأعلاف لسد الفجوة العلفية، ودعم النهوض بالثروة الداجنة، كما قامت الدولة بدعم مشروع البتلو لتوفير اللحوم الحمراء وكذا مراكز تجميع الألبان للحفاظ على الألبان نظيفة وإنتاج منتجات لبنية آمنة منها. وفى نفس السياق تتبنى الدولة إعادة تنمية قطاع التربية المنزلية للدواجن ورفع إسهامها في الناتج منها على المستوى القومي من 22% الى 50% ضمن خطط مستقبلية طموحة لتفادى التعرض مستقبلا لما مررنا به من أزمات دولية خلال الفترة الحالية.

 

بجانب ذلك تولى الدولة قطاع الثروة السمكية أهمية كبرى سواء المصايد بدعم مراكب حديثة ومستلزمات جديدة مع تنمية وتطوير المزارع السمكية سواء المرباه على المياه المالحة أو العذبة وفى المناطق حديثة الاستصلاح لتعظيم ناتج وحدة المياه من النباتات والأسماك معا.

 

وتعمل الدولة على إنشاء قاعدة بيانات دقيقة، وذلك عن طريق التوجيه لإجراء حصر شامل للثروة الحيوانية على كافة الجمهورية؛ ووضع خطط التحسين والتطوير وأيضا لتحديد الاحتياجات من مستلزمات الإنتاج مقابل احتياجاتنا من اللحوم والألبان والإدارة الجيدة لملف الاستيراد بما يحقق التوازن المطلوب للحفاظ على تنمية واستدامة قطاع الثروة الحيوانية. كما تعمل الدولة على رسم خريطة لتوزيع الماشية وأماكن تمركزها وتحديد الأماكن المنتجة للحوم لإنشاء مجاز بها وتحديد الأماكن المنتجة للألبان لإنشاء مراكز لتجميع الألبان بها وربطها بسلاسل القيمة.

 

من ناحية أخرى تحديد أماكن تمركز السلالات المحلية والمستوردة، وبالتالي تحديد نصيب كل منها من مستلزمات الإنتاج الواجب توافرها وتوفير الأمصال واللقاحات اللازمة للتحصين فى المواعيد المناسبة، وتحديد احتياجات صغار المربيين الأولى بالرعاية فى القرى وتوابعها من الخدمات التمويلية والتأمينية وأساليب التربية والرعاية؛ بهدف مساعدتهم على زيادة الإنتاجية وتحسين مستوى دخولهم استهدافًا لحياة كريمة لهم. وفى هذا المضمار تم رفع كفاءة بعض الوحدات البيطرية وتدعيمها بالأجهزة اللازمة، وتطوير مراكز التلقيح الاصطناعي التابعة لوزارة الزراعة وتوفير مستلزماتها من الأجهزة للوصول إلى صغار المربين عن طريق تدريب وإعداد ملقحين اصطناعيين وإكسابهم الخبرات اللازمة لنشر النطف المحسنة وكذا تدريبهم على برامج التغذية والرعاية للقطعان، بما يتناسب مع نوعية السلالات والغرض من التربية.

 

 

اهتمام الدولة بتطوير قطاع الميكنة الزراعية؟

 

يعتبر قطاع الميكنة الزراعة من القطاعات، التي تمثل عماد العمل الزراعي الحديث، لذلك أولت الدولة هذا القطاع اهتماما خاصة عن طريق استيراد الميكنة الضرورية للاستصلاح والزراعة والحصاد، لكي يخدم معظم العمليات الزراعية سواء في الأراضي حديثة الاستصلاح أو الأراضي القديمة ذات الحيازات الصغيرة الضيقة، وذلك بإنشاء محطات الزراعة الالية. ولم تكتفى الدولة بذلك بل شجعت على إنشاء الورش والمصانع المهتمة بهذا الغرض لفتح استثمارات جديدة، بالإضافة الى دفع مصانع الإنتاج الحربي لدعم هذا القطاع بتصنيع الماكينات الزراعية ومعدات الري وغيرها من المستلزمات التي تعمل على تعضيد نجاح محاور الخطط الاستراتيجية الزراعية والقومية على مستوى الدولة.

 

كما ان مصر  تَتمتُع بمناخ يسمح بمد مواسم الزراعة، وكذلك وجود وفرة من المياه الجوفية يؤهلها بشكٍل خاص لإقامة أنشطة تجارية زراعية؛ بالإضافة إلى تمتعها بميزة نسبية وتتمثل في زراعة المحاصيل الشتوية في الشهور من نوفمبر وحتى مايو، وهي الميزة الغير متوفرة في كل من دول أوروبا وشمال آسيا، والتي يكون بها الإنتاج الزراعي محدود عند مقارنة نفس الفِترة من العام.

 

ويأتي اتفاق مصر الخاص بالتجارة الحرة مع دول السوق الجنوبية المشتركة (ميركوسور -Mercosur)، وهو اتفاق تجاري يجمع كُبرى الدول المُصدِّرة للمحاصيل الزراعية مثل البرازيل والأرجنتين، كميزة نسبية هامة للغاية للقطاع الزراعي.

 

كما أن  الدولة لم تكتفي بمشروعات زيادة مساحات الأراضي الزراعية ورفع كفاءة المحاصيل، بل اهتمت بتوفير فرص جيدة أمام هذه المنتجات الزراعية، حتى يتم تسويقها على المستوى العالمي، حيث تم فتح أسواق جديدة في معظم دول العالم وبدأت المحاصيل الزراعية المصرية في غزو الأسواق العالمية.

 

 

 

الرابط المختصر
آخر الأخبار