اهتمت مصر بالزراعة منذ القدم، والتي كانت أساس رخاء البلاد وثروتها، فكانت الحضارة المصرية القديمة من أوائل الحضارات التي استطاعت أن تحقق ثورة هائلة في مجال الزراعة مع احتضانها لنهر النيل، فمع بداية حدوث ظاهرة فيضان النيل ومعرفة المصري القديم بحدوثه في شهر يوليو من كل عام وانحسار مياه الفيضان في شهر نوفمبر، مما يسهم في إنبات البذور ونضج المحاصيل الزراعية ومن هنا عرف المصريون الوقت المناسب لزراعة الأرض وقاموا بإنشاء العديد من المشروعات المستحدثة في الرى كحفر القنوات والترع لتوجيه المياه إلى أماكن بعيدة عن ضفاف نهر النيل والسدود من أجل نقل مياه النيل وتوزيعها للري والشرب، واستخدموا آلة الشادوف لنقل المياه من الترع والمصارف المنخفضة عن مستوى الأرض الزراعية للقنوات المعدة لنقل المياه للمناطق البعيدة عن الفيضان وزراعة أكثر من محصول في العام الواحد، وآلة الفأس والمنكوش لإنشاء القنوات المستخدمة في ري الأرض وتنسيق طولها وعمقها وتقطيع الأشجار وتقليب التربة، والمجرفة المستخدمة في حراثة الأرض ونقل الأتربة، وآلة الشاعوب المستخدمة في حصاد القمح، والمناجل لحصاد المحاصيل.
“كان الفلاح المصرى يعشق الأرض ويشم عطرها قبل ان ينام وحين تتدفق مياه النيل في الحقول كأنها أكسير الحياة..كان الفلاح المصرى يسمع أم كلثوم ويشدو مع عبد الوهاب وهو يغنى “محلاها عيشة الفلاح” وكان الراديو الترانزستور الصغير يحمل الأخبار من كل بلاد الدنيا ” في زمان مضى من الأيام الخوالى كنت تدخل بيت الفلاح المصرى البسيط فتجد فيه كل انواع الطعام..تجد كل منتجات الألبان والدواجن واللحوم وتجد احتياجات الأسرة من الدقيق والأرز التى تكفيك عاما كاملا..وتجد طعام الماشية من الذرة والفول والشعير …”وفى موسم جنى القطن وهو عرس الفلاح المصرى كنت تجد أكياس القطن أمام البيوت والفرحة تملأ القلوب..كان القطن هو حلم كل بيت في الريف..منه يسدد الفلاح ديونه..ويشترى احتياجاته واحتياجات الأسرة من الملابس طوال العام ومن القطن يقام عرس الأبناء وتذهب الابنة إلى عريسها..وأمام كل بيت كنت تجد نخلة عريقة تعطى البلح وشجرة جوافة أو شجرة جميز أو توت فيها فاكهة العام كله وقد تجد على شاطئ الترعة شجرة موز عجوز مازالت تمنح ثمارها بسخاء “
ويظل الفلاح المصري هو الجندي المجهول الذي يكافح ويشق الصخر ويهب حياته للأرض والمرعى من أجل الآخرين، يتسلح بالصبر ليتحمل مشقة العمل القاسية في حراثة الأرض وريها وزراعتها وتخصيبها وحصاد الزرع لينتج لنا الخيرات التى نحتاجها لتحقيق الأمن الغذائي بمصر.
ورغم التقدم والتحضر إلا أنه لايزال الريف المصري بأبنائه الفلاحين هو الأصل والمنبع لحياة المدينة والحضر، الخضرة والطبيعة والهواء النقي، الحياة السلسة البعيدة عن أجواء المدن المكتظة والمزدحمة، البساطة الخالية من مظاهر التكلف والتجمل، فهي بيئة هادئة تنعم بالألفة والتلاحم بين أبنائها، الذين يفنون حياتهم في رعاية الأرض وحمايتها.