الدكتورة أميرة سلامة تكتب: أزمة ارتفاع الأسعار في مصر
التحديات ودور الحوكمة في مواجهتها
إن أزمة ارتفاع الأسعار تُعد واحدةً من أكبر التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه مصر في الوقت الحالي حيث يعيش المواطنون تحت ضغط مستمر نتيجة لارتفاع تكاليف المعيشة والأسعار المتزايدة منذ أزمة كورونا و لحقتها الحرب الروسية الأوكرانية التي زادت الأمور صعوبةً على الاقتصاد المصري لما تسببت فيه من زيادة معدلات التضخم و من ثم ارتفاع أسعار المواد البترولية الذي يؤثر بالسلب على تكلفة الإنتاج بصورة عامة و أيضًا ارتفاع أسعار الأسمدة و القمح و الزيوت مما يزيد من حدة الأزمة، وارتفاع المواد الغذائية الأساسية بصورة كبيرة.
ومع استمرار الحرب و عدم وضوح رؤية محددة لموعد نهايتها و انخفاض قيمة الجنيه أمام العملات الأخرى وأيضًا ضعف سلاسل الإمداد بسبب الحرب، وتزداد صعوبة المشكلة، و تزداد حدتها على المواطن الذي تزداد معاناته اليومية و خاصةً مع اقتراب مناسبات هامة مثل اقتراب بداية العام الدراسي وغيرها من المناسبات و الأعياد التي للأسف يستغلها التجار في اللعب في الأسعار بصورة كبيرة عن طريق احتكار السلع و تخزينها لبث حالة من القلق لدى الجمهور من احتمال اختفاءها و بالتالي السعي إلى سرعة شرائها و تخزينها مما يزيد من حدة الأزمة التي إذا أردنا أن نعمل على مواجهتها على المدى الطويل فعلينا العمل على تعزيز الإنتاج المحلي و خاصة للسلع الأساسية و تقليل الاعتماد على الواردات و استكمال منظومة التطوير القائمة بالفعل لتحسين البنية التحتية والتوسع في تقديم الدعم للفئات الأشد فقرًا.
وكل هذا وإن كانت حلول صحيحة و سليمة إلا أنها تحتاج إلى وقت لظهور نتائجها وهنا نعود إلى ذات الأزمة والتي إذا أردنا أن نجد حلول فعالة وسريعة علينا أن ننظر إلى كافة أضلاع المشكلة والتي تتمثل بصورة واضحة وصريحة في التاجر والمستهلك ودور الدولة، فالتاجر يسعى إلى زيادة مكاسبه و تعظيمها عن طريق إخفاء البضائع و تخزينها انتظارًا لحدوث الأزمة دون النظر إلى مدى مخالفة هذا الفعل شرعًا أو دوره الاجتماعي.
والمواطن لا يسعى إلى ترشيد احتياجاته بما يتلائم مع الظروف الاقتصادية و يتناسي دوره المجتمعي في مقاطعة أي سلعة تزيد بصورة استفزازية و الإبلاغ عن الزيادات غير المنطقية و هنا نجدنا أمام الضلع الثالث و الذي يقع عليه المسئولية الأكبر وهو دور الدولة في السيطرة على ضبط الأسواق وتوفير السلع الأساسية والحفاظ على استقرار الأسعار عن طريق تطبيق قانون حماية المستهلك و التوسع في توفير قنوات التواصل مع المواطنين للإبلاغ عن أي مخالفات و تعزيز قواعد الحوكمة المتمثلة في مكافحة الفساد والمسائلة والمسئولية وتعزيز الشفافية لدى الأجهزة الرقابية و العمل على محاولة خفض ضريبة القيمة المضافة خاصةً للسلع الأساسية و مستلزمات الإنتاج لها مما قد يعطي إحساس سريع نسبيًا للمواطن ببعض الراحة.
وختامًا ففي ظل التحديات الاقتصادية و السياسية التي تواجه مصر يجب أن ندرك أن حل هذه الأزمة يتطلب تعاونًا فعّالً بين المواطنين سواء المستهلك أو التاجر والحكومة بكافة أجهزتها الرقابية مع تطبيق الحوكمة الصالحة بمفاهيمها المختلفة من شفافية و إفصاح و مسئولية ومسائلة تحقيقًا للاستدامة التي تهدف إلى الحفاظ على الموارد و الثروات فدور الحوكمة أمر حاسم وفعال في تحقيق الاستقرار الاقتصادي و مواجهة أزمة الأسعار فالحوكمة يجب أن تكون شفافة و مسؤولة وتتضمن مكافحة الفساد وتعزيز سياسات تشجيع الاستثمار و تحسين بيئه العمل.
ويمكن للمواطنين أن يساهموا في حل أزمة الأسعار من خلال توعيتهم ومشاركتهم الفعّالة في العمليات الديمقراطية والمشاركة في الحوار العام و الوطني فيجب على المواطنين أيضًا تقديم اقتراحات وآراء بناءة للحكومة بغية تحسين السياسات الاقتصادية والاجتماعية.
من ناحية أخرى، يجب على الدولة أن تتخذ إجراءات حاسمة لمواجهة ارتفاع الأسعار من خلال دعم الإنتاج المحلي، وتنظيم الأسواق، وتعزيز الشفافية في إدارة الموارد والميزانية العامة.
يجب أيضًا على الحكومة تقديم دعم مستهدف للفئات الأكثر احتياجًا و التوسع في مبادرتها .
باختصار، حل أزمة الأسعار يتطلب جهدًا مشتركًا من المواطنين والدولة ودورًا فعّالًا للحوكمة، من خلال التعاون والإصلاح، يمكن تحقيق تحسن في الوضع الاقتصادي ورفاهية المواطنين.