الدكتور نشأت الهادي يكتب: وهم «نريدها مدنية»
تستوقفني كثيرًا عبارة “نريدها دولة مدنية”، وأرجع التفكير وأعيده، وأسأل نفسي هل نعيش في دولة عسكرية كي نريدها مدنية، هل نعاني من حكم عسكري كما تعاني الكثير من الشعوب مثل مايحدث في كوريا الشمالية على سبيل المثال وليس الحصر؟؟!!
الدولة العسكرية تحتمي خلف قوة جبارة ويتم تطويع أدواتها للسيطرة على البلاد بالإكراه أو بالتهديد بالقوة المطلقة. أما الدولة المدنية فهي الدولة القائمة على المواطنة وسيادة القانون، والتي يحصل فيها الفرد على حقوقه ويؤدي واجباته، مع عدم التمييز بين الأعراق أو الألوان أو اللغات، ويتعاون جميع أفراد المجتمع في الدولة المدنية للوصول إلى حياة آمنة للجميع. أي أن الدولة المدنية لم تشترط ألا يكون حاكمها ذا خلفية عسكرية، ولكن اشترطت سيادة القانون وعدم التمييز بين أفرادها.
الدولة المدنية
فلذلك أعاود التفكير في من يطالب أن يحكم البلد شخصًا لا يملك خلفية عسكرية، في أنه شخص لا يدرك مفهوم الدولة المدنية، لأنه يطالب بحكر الحكم على أشخاص دون خلفية عسكرية وهذا يعتبر تمييزًا وضد مبادئ الدولة المدنية، وليس ما يتم تطبيقه في بعض الدول يصلح لتطبيقه في بلدنا الحبيبة مصر، فمنذ أيام الدولة الفرعونية وحتى أيامنا هذه لم يحكمها غير شخص عسكري أو ذو خلفية عسكرية باستثناء السنة السوداء للاخوان المتأسلمين. وهذا أكيد له أسباب يطول شرحها ولكن يمكن اختصار ذلك في اتجاهين أولهما طبيعة الشعب، وثانيهما الوضع الجغرافي والسياسي لمصر.
فلننظر إلى العراق على سبيل المثال، والتي كانت تعد إحدى القوى العظمى في العالم من الناحية العسكرية والسياسية والاقتصادية، فها هو حاكمها مدني ولكن هل العراق أصبحت عراقًا؟، هل العراق تعتد بها كقوة عسكرية أو سياسية أو اقتصادية لها تأثير عالمي؟؟!!
التقليد الأعمى
إن مطالبة البعض بتقليد الغرب دون النظر إلى طبائع الشعوب وتقاليدها، ودون النظر إلى الوضع السياسي والجغرافي والاجتماعي ما هو إلا تقليد أعمى دون إدراك لواقع فعلي لا يدركه إلا القليل.
أن تعارض من أجل المعارضة فقط فأنت تهدم، ولكن عارض وقدم البديل المدروس والذي يمكن التخطيط على أساسه، وهنا تبقى المعارضة بناءه وليس غرضها الهدم، فلكي تبقى معارضًا قدم الحلول البديلة القابلة للتنفيذ على أرض الواقع وليس مجرد آراء واقتراحات لا تسمن ولا تغني من جوع.
حفظ الله مصر وحفظ رئيسها المدني العسكري المنتخب، نعاني اقتصاديًا نعم، ولكن كل دول العالم تعاني نتيجة للوضع الدولي الراهن، ولكننا على الطريق الصحيح.
ولننظر إلى النمر الآسيوي ماليزيا على سبيل المثال وليس الحصر، فقد بدأت إصلاحًا سنة 1974 وعانى الشعب الماليزي طيلة خمسة وعشرون عامًا اقتصاديًا حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه الآن، فالإصلاح لا يأتي بنتائجه بالعصا السحرية، فحين تشرع في بناء مصنع لا تتوقع أن يحقق أرباحًا قبل أن يكتمل بناؤه ويتم تشغيله، ثم تسدد تكاليف الاستثمار وبعد ذلك يبدأ في تحقيق العائد وهو ما يسمى في دراسات الجدوى مدة العائد على الاستثمار، أي المدة التي يستغرقها المصنع في البناء والتشغيل وتسديد تكاليف الاستثمار، وما بعد ذلك الأرباح، فما بالك وأنت تبني دولة من تحت الصفر.
تحيا مصر تحيا مصر تحيا مصر.