دكتور فوزي عبد الرحمن الزعبلاوي يكتب: أنا وأخويا على ولاد العم
يستحضرني المثل الشعبي القائل: “أنا وأخويا على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب”، وهو مثل شعبي معروف ويتم تداوله منذ عشرات السنوات، وذلك بمناسبة الأحداث الدامية والمجازر التي يرتكبها الكيان الصهيوني في حق الأشقاء الفلسطينيين دون رادع من المجتمع الدولي.
والحقيقة أن الدول العربية وفي مقدمتها مصر، لم تتوان لحظة واحدة عن تقديم الدعم السياسي والمادي والإنساني للشعب الفلسطينى فور اندلاع الأحداث المؤسفة في غزة، وإظهار غضبها سواء على المستوى الشعبي أو الحكومي.
إن حجم وأهمية الدور المصري في دعم القضية الفلسطينية لا يقبل المزايدة على الإطلاق؛ فمنذ رفع الانتداب البريطاني عن فلسطين وحرب 1948 والتي تمخضت عن غرس الكيان الصهيوني في المنطقة العربية، ومصر تُضحي بالغالي والنفيس من أجل القضية الفلسطينية، ليس لأنها امتداد للأمن القومي المصري فقط، ولكن لأنها تقع ضمن المكون العقائدي المصري للمسلمين والأقباط على حد سواء، ومن أجل فلسطين سالت دماء الآلاف من جنود مصر من خيرة شبابها بين شهيد وجريح.
وتَبَّنى قادة مصر القضية الفلسطينية عبر مختلف المراحل التاريخية بدايةً من الملك فاروق، مرورًا بالزعيم جمال عبد الناصر، والرئيس الراحل أنور السادات قائد الحرب والسلام، ثم الرئيس الراحل حسني مبارك، وأخيرًا الرئيس عبدالفتاح السيسي، بنفس العزيمة والإصرار على تحمل مسئولية دعم ومساندة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني المدعوم عسكريًا وسياسيًا من قِبل أمريكا وأوروبا دعمًا غير مشروط.
وإعلان مصر موقفها الرسمي على لسان الرئيس عبدالفتاح السيسي رفضها التام لتهجير أهل غزة إلى سيناء، ليس له معنى سوى الدفاع عن حق الفلسطينيين في أرضهم ضد الاستعمار والتهويد وطمس الهوية الفلسطينية، ورفض مصر كل الإغراءات الأمريكية والأوروبية – منح وهبات وقروض ميسرة – مقابل موافقة مصر على التهجير القسري للفلسطينيين إلى أرض سيناء، إيمانًا منها بمسئوليتها التاريخية والسياسية والإنسانية بالقضية الفلسطينية التي لا تقبل المساومة.
مصر كانت وستزال دائمًا خير سند وعون للأشقاء الفلسطينيين وقت الأزمات من خلال توظيف سياستها الخارجية وعلاقاتها بمراكز القوى في الضغط على الكيان الصهيوني لقبول حلول عادلة ومُرضية للطرفين، وهو ما حدث في قبول الهدنة الأخيرة، وتبادل الأسرى من الجانبين بمشاركة الجانبين الإماراتي والأمريكي، وكان لمصر الأيادي الطُولى في تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة من الغذاء والكساء والدواء لأشقائنا في فلسطين( وهذا حقهم علينا)، ونقل مساعدات الدول العربية والأجنبية إلى داخل الأراضي الفلسطينية عبر معبر رفح، كذلك فتح المستشفيات المصرية أمام المرضى والجرحى للعلاج على نفقة الدولة، بالإضافة إلى تقديم مصر عبر سنوات طويلة المنح الدراسية للطلاب الفلسطينيين في كافة الجامعات المصرية.
إلاَّ أنني أجد نفسي أمام أكثر من ملاحظة تستحق المراجعة، الملاحظة الأولى: المزايدة على دور مصر بين الحين والآخر ومطالبة بعض الأصوات غير المسئولة لتحرك الجيش المصري ردًا على ما يحدث للأشقاء الفلسطينيين، وأشدد على ما أكدت عليه القيادة المصرية بأن جيش مصر جيش وطني حُر، مهمته الدفاع عن أمن وسلامة الوطن، لا يعتدى على أحد ويحترم سيادة كل دولة، لا يحارب بالوكالة عن أحد مقابل حِفنة من الدراهم والدنانير، جيش من صفاته الوطنية والشرف والنزاهة والأمانة، لا يتحرك إلا بوازع وطني ومن أجل مصلحة الوطن ومواطنيه.
الملاحظة الثانية: تجدد الدعوات إلى مقاطعة بعض منتجات الشركات العالمية لأسباب سياسية وأخرى دينية؛ وكان أخر المقاطعات الشعبية لأسباب دينية تلك الحملات التي دعت إلى مقاطعة المنتجات السويدية والدنماركية ردًا على سماح الدولتين بحرق المصحف الشريف، أما الأسباب السياسية فكثيرة، بدأت أثناء الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 لمقاطعة المنتجات الأمريكية، انتهاءً بحملات المقاطعة الآن على خلفية المجازر التي يرتكبها الجيش الصهيوني ضد الفلسطينيين المدنيين في قطاع غزة، والتي يعتقد البعض أنها تدعم الحكومة الإسرائيلية، هذه المنتجات تضم قائمة طويلة من المنتجات الغذائية والمشروبات والملابس، وحتى مواقع التواصل الاجتماعي خاصة التي قامت بتقييد أو حذف المحتوى المندد للإرهاب الإسرائيلي والأمريكي في المنطقة.
جاءت المنتجات الأمريكية على رأس القائمة بسبب الدعم السياسي والعسكري الذي تقدمه أمريكا لإسرائيل، ثم منتجات بعض الدول الأوروبية مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا، ردًا على دعم حكومات هذه الدول للإرهاب الإسرائيلي في أعقاب أحداث السابع من أكتوبر الماضي.
ولتأثير المقاطعة على الاقتصاد المصري في ظل ما نمر به من ظروف اقتصادية صعبة تأتي مسئولية وسائل الإعلام في توعية المواطن العادي الفرق بين فروع الشركات العالمية العاملة في مصر، والشركات المملوكة لمصريين وحاصلة على حق استخدام العلامة التجارية للشركات العالمية مقابل دفع مبلغ محدد من المال للشركة الأم، وإن كانت الشركات العالمية هي المتضررة في الحالة الأولى إلاّ أن هذا الوضع سيؤدي إلى تراجع الاستثمارات الأجنبية على المدى البعيد، ولكن الاقتصاد المصري هو المتضرر في الحالة الثانية، حيث إن انخفاض أو انعدام الطلب على السلعة أو المنتج سيؤدي إلى توقف دائرة التصنيع والإنتاج، ووقف كافة الأنشطة الصناعية وحركة النقل والتجارة المرتبطة بها، ثم غلق مقرات هذه الشركات وتسريح العاملين بها، وما يترتب عليه من مشكلات اقتصادية واجتماعية كثيرة مثل ارتفاع نسبة البطالة والفقر والجريمة … إلخ.
الملاحظة الثالثة والأخيرة: حتمية المصالحة بين الفصائل الفلسطينية ونبذ الخلاف والصراعات السياسية والأيدولوجية والمصالح الشخصية الضيقة، التي تضر بالقضية الفلسطينة ضررًا بالغًا، وخاصة في مثل هذه الظروف التي تستدعي توحيد الصفوف الفلسطينية وتضافر جهودها من أجل الصمود ضد هذا الطغيان الصهيوني والظلم الدولي، وفي هذا الشأن بذلت مصر جهودًا كبيرة وعبر سنوات طوال من أجل تحقيق المصالحة الفلسطينية، ولأهمية هذه المصالحة والدور المصري الحيوي في تحقيقها، سنفرد لها موضوعًا مستقلًا في المرة القادمة.