الدكتور محمد مصطفي القاضي يكتب: كيف تشتري عمرك؟

“رفرف واكصدام وطقم فوانيس” هي الرسالة التي وصلتني من المهندس الذي يتولى إصلاح السيارة بعد الاحتكاك مع سيارة أخرى، ومرت الثواني قبل وصول الرسالة الأخرى التي تحتوي تكلفة الإصلاح كدقائق  طويلة سرحت فيها بخيالي حول قيمة التكلفة وكم تساوي من دخلي الشهري، هل مرتب شهر ام اثنين، وهنا صدمت بواقع مؤلم لا أعرف كيف لم يجول بخاطري طوال هذه السنين، ان الأموال تساوي وقتًا من عمرنا، وتذكرت الآن عندما كنت أقبض مرتبي طبقًا لعدد ساعات العمل وكنت أدفع أغلبها للسايس والميكانيكي وكنت أحسب ثمن إصلاح السيارة ال ١٢٨ المتهالكة بعدد ساعات العمل وكان هذا منذ ما يقترب من خمسة وعشرين عاما وكنت اشعر أن العمر والمستقبل مازال أمامي اما الأن أصبح كل شهر ويوم وساعه تحسب بدقة.

الاحتياجات الأساسية

أدركت أن حادثًا بسيطُا أو مسمارًا في كاوتش السيارة أو عطلًا في الثلاجة أو السخان قد يعني أنني أهدرت من عمري مدة عملت فيها ثم صرفت ما جنيته لدفع هذه التكلفة، نعم أعلم أن الرزق بيد الله وأحمد الله إن وقعت هذه الأحداث وأنا أمتلك ثمن إصلاحها الذي قد أكون رزقت به لأجل هذا السبب، ولكن ما أقلقني هو القيمة الكبيرة جدًا لأي شيء نشتريه أو نصلحه بالنسبة لدخلنا الشهري فيصبح ما ندفعه يساوي كثيرًا جدا من أيام عملنا بينما ما تبقى من العمر يضيع هباءًا أو قد لا يكفي لاحتياجاتنا الأساسية.

الشقق السكنية

منذ خمسه وعشرين سنه كان متوسط سعر متر الشقة السكنية في المدن الجديدة من ٦٠٠ جنيها إلى ١٠٠٠ جنيها بينما متوسط الدخل الشهري في حدود من ٦٠٠ إلي ١٢٠٠ جنيها، مما يعني إنه ممكن تحصل على شقة ١٢٠ متر بمرتب ٦٠ شهرا أي خمس سنوات، بينما اليوم متر الشقة بنفس المستوى يتعدى أربعين الف جنيه ودخل الخريج لا يتعدى خمسة أو سته آلاف جنيه مما يعني ٨٠٠ شهرا أي ٦٦ سنه تقريبا يدفعها من عمره لشراء هذه الشقة، وكذلك السيارة التي قد يحتاج الشاب إلى ما يزيد على دخل ١٦٦ شهرى لتسديد ثمنها أو يدفع ما يقترب من ثلث دخله الشهري للمواصلات العامة والميكروباصات فقط للوصول إلى عمله والعودة منه.

تقييم الجنيه

توصلت لفكرة عمل نظام نقدي جديد يتم فيه تقييم الجنية مقابل اليوم، ويمكن إن نقدم الخدمات والمواصلات والسلع مقابل عدد أيام افتراضي يخصم من عمر الفرد وعندما ينتهي هذا الرصيد، يموت الشخص، أن عمل هذا النظام على المستوى الفردي قد يجعل كل مننا يفكر قبل أن يشتري مالا يحتاجه أو ما يحتاجه أو يعيد فكرة ذهابه لهذا العمل أو غيره او الهجرة لبلد أخرى تنخفض فيها قيمة العملة مقابل اليوم.

الحضارة الإنسانية الحديثة

إن فكرة ارتفاع معدل الأعمار لا تقتصر على نطاق الرعاية الصحية فقط ولكن على ما يمكن تحقيقه في نفس مدة الحياة على هذا الكوكب وهو ما يشكل جوهر الحضارة الإنسانية الحديثة التي جعلت الانتقال من مكان لمكان في دقائق أو ساعات معدودة مقابل أيام وشهور، أو إنجاز اعمال على الحاسب الالي كانت تستغرق أسابيع وشهور في دقائق، أعتقد أن مقياس تقدم الأمم يجب أن يقاس بما يمكن أن يحققه الفرد المتوسط في حياته أو كم من الوقت يحتاجه للحصول على حقوقه الأساسية من مسكن ملائم ووسيلة إنتقال آمنة وهواء نظيفًا أو طعام كافي.

قيمة العملة

دائما يوجد أمل، إذا كان من الصعب الحفاظ على قيمة العملة فمازال يمكننا العمل لتوفير الخدمات والحقوق الأساسية بطرق مختلفة ترفع قيمة الجنيه مقابل اليوم فنستطيع شراء أيامًا اكتر نستمتع فيها بحياتنا وسط أولادنا وأحفادنا وقد نقترب اكثر من تحقيق مراد الله  من وجودنا في هذه الدنيا.

آخر الأخبار