كنت في زيارة لتركيا خلال الأسبوع الماضي، التقيت خلالها أحد رجال الصناعة الأتراك..تحدثنا عن علاقة تخفيض قيمة العملة المحلية للدولة بتنمية صادراتها للخارج وأشرت إلى قدرة تركيا على الاستفادة من تخفيض قيمة الليرة التركية لزيادة صادراتها وجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية، إلا أن الصناعي التركي فاجأني بانتقاده للسياسة الصناعية التركية لاعتمادها (من وجهة نظره) على انخفاض قيمة العملة لإحداث طفرة في أرقام الصادرات مع إهمال عدد من العوامل الأخرى مثل دعم الابتكار وكبح جماح تضخم تكاليف الإنتاج بعد تخفيض قيمة العملة بنسبة 30% عن العام الماضي. كذلك تحدث عن تطوير الحكومة التركية لبرامج دعم الصادرات لمساندة المصدر التركي في هذا الوضع الاقتصادي الاستثنائي.
من المؤكد أن الدول تستفيد من تخفيض قيمة عملتها أمام العملات الأجنبية لتحقيق أهدافها التصديرية، لكن تخفيض قيمة العملة يجب أن يواكبه سياسات حكومية داعمة للمصنع والمصدر ومكملة لإحداث طفرة حقيقية في قيمة صادراتها، خاصة في مواجهة منافسات شرسة في الأسواق الخارجية واضطرابات أمنية في العالم بالإضافة إلى المشاكل المستجدة في النقل البحري، خاصة في منطقة البحر الأحمر.
ولعل برامج دعم الصادرات (أو برامج رد الأعباء حتى تكون لغة قانونية منضبطة ومتسقة مع قواعد منظمة التجارة العالمية) هي من أهم أدوات الحكومات في ملف التصدير. ولا تقتصر هذه البرامج على الدول النامية بل إن برامج دعم الصادرات في بعض الدول الصناعية والزراعية الكبرى هي الأقدم تاريخياً والأكثر تنوعاً من ناحية وسائل الدعم التي تقدمها للمصدر الصناعي والزراعي.
وقد أعلن السيد الدكتور وزير المالية عن استكمال صرف دفعات جديدة للمصدرين المصريين المستفيدين من المرحلة السابعة لمبادرة السداد الفوري النقدي، حيث يصل إجمالي ما تم صرفه منذ عام 2019 إلى 65 مليار جنيه.
يحسب للحكومة المصرية وإدارة صندوق دعم الصادرات استمرارها في البرنامج رغم التحديات المختلفة التي كانت تحيط به في فترات سابقة، إلا أن هناك دائماً في أروقة الحكومة المصرية من كان يتحدث باسم الصناعة ويدافع عنها وعن أولوياتها منهم وزراء صناعة سابقون، ووزير المالية الحالي عندما كان نائباً للوزير.
أما الآن، وبعد أن أصبحت الصناعة في عهد الحكومة الجديدة (من خلال بيانها) أولوية للدولة المصرية ككل، فإن برنامج دعم الصادرات يجب أن يعكس وبقوة هذه الدرجة من الأولوية.
أولاً: بزيادة اعتمادات الموازنة المخصصة له عن 23 مليار جنيه المخصصة لهذا العام، خاصة وأن حسابات العائد على الاستثمار من كل جنيه يوجه لصندوق الدعم تدفع متخذ القرار لزيادة مخصصاته.
ثانياً: خفض زمن سداد المستحقات الذي كاد أن يفقد البرنامج القدرة على تحقيق أهدافه من تخفيف الأعباء عن المصنعين.
ثالثاً: إشراك اتحاد الصناعات والمجالس التصديرية مع الوزارات المعنية في توسيع دائرة الصادرات المشمولة في البرنامج على أن يوضع الابتكار، القيمة المضافة، حجم العمالة، والاستدامة كعوامل مؤثرة عند اختيار بنود الصادرات الجديدة.
رابعاً: إعادة النظر بالاشتراك مع مجتمع الأعمال في جدوى تقديم الصندوق لدعم قطاعي للصناعة على شكل خدمات مجانية أو مدعومة بالإضافة إلى الدعم النقدي للشركات.
خامساً: تكثيف صندوق الدعم من الدورات التدريبية التي يقدمها بالفعل وبشكل متميز إلى مجتمع المصدرين، خاصة الشركات الجديدة لتوسيع دائرة الاستفادة من البرنامج.
سادساً: إعادة النظر في توسيع نطاق دعم النقل ليشمل أسواق تصديرية أخرى خارج القارة الأفريقية.
إن هدف تنمية الصادرات المصرية بمعدل يتجاوز 10% سنوياً قابل للتحقيق وقد تجاوزنا هذه النسبة في سنوات سابقة عندما اتسمت العلاقة بين الحكومة والقطاع الخاص المصري بالتجانس والعمل الجماعي.