أنا بدفع الضرايب وبعمل كل إللي الحكومه بتقولي عليه، أنا من حقي يكون عندي سكن،” هكذا صاح المهندس شريف المصري (عادل امام) في وجه وكيل النيابة في فيلم كراكون في الشارع، وفي مشهد آخر سألته المذيعة ماذا تريد من الحكومة فقال لها “عايزين ارض من الأراضي الفاضيه الكتيره دي وإحنا هنتصرف” وكان ذلك في عام 1986 عندما كان يحلم بطل الفيلم بسكن يأويه هو واسرته ولم يكن يعلم او يحلم في اسوء أحلامه ان ابنه كراكون شريف المصري سيعاني من نفس الازمة بعد ما يقرب من أربعين عاما ويبدوا اننا سنظل نناقش نفس البديهيات أعواما كثيره اذا لم نمتلك الجرأة لطرح الأسئلة وفرض المطالب واقتراح الحلول.
هل الحق في السكن قابل للنقاش والتفاوض؟
هل الحق في الحصول علي نصيبك من الهواء اللازم للتنفس قابل للتفاوض! هل الحق في الماء والطعام والنوم موضع تساؤل!!
الاحتياجات الفسيولوجية هي الاساس الذي يبحث عنه جميع الكائنات الحيه لتحقيقه أولا وقد تكون الاضلاع الرئيسية لغريزة البقاء، قد يكون التعليم كالماء والهواء كما قال طه حسين فما بالنا بالماء والهواء نفسهم، وكذلك الطعام والنوم والاستقرار والامان، ان السكن هو العنصر الذي يجسد هذه الاحتياجات وبالتالي يعتبر الحق في الحصول علي السكن هو التجسيد المباشر للحصول علي هذه الخدمات حتي قبل الحصول علي التعليم والصحة.
هل نتخيل يوما ما ان نبيع الهواء للمواطن كي يتنفس القادرون فقط، إن الحكومة لا تقطع المياه عن من يتعثر في دفع الفاتورة الشهرية بينما قد تستطيع قطع الكهرباء عن غير القادر، فبمالنا بمن لا يستطيع الحصول علي السكن من الاساس، كيف يعيش، كيف يعمل كيف يتعلم ويتزوج ويتحقق ماديا ومعنويا.
أن الحق في الحصول على السكن في اهميه الحصول علي الماء والهواء، قد يكون له ثمنا يدفعه الجميع ولكن وجب علي الحكومة في أي دوله العمل علي توفير فرصة السكن لكل مواطن، ان الاحتياجات الأساسية ليست موضع للتربح من القائمين علي الامور في أي دوله، هذه البديهيات اتفقت عليها اغلب دول العالم حتي الدول القابعة في اقصي الاتجاهات الرأسمالية، فإن خلق مواطن سوي يتمتع بالحقوق الفسيولوجية الأساسية التي يتمتع بها جميع المخلوقات هي أساس العقد الاجتماعي القائم بين الدولة والشعوب ، أن تحول هذه الخدمات إلى سلع ربحيه للحكومات تكاد تقترب من تصنيفها كجرائم اجتماعيه غير قابله للتفاوض أو السقوط بالتقادم.
ما يحدث في المحروسة من عدم قدرة الأغلبية الساحقة من المواطنين في الحصول علي سكن يناسب دخلهم هو أساس الخلل الحادث في السوق العقاري المصري، إن الحكومة والقطاع الخاص غارقين في طرح المشروعات العقارية الاستثمارية لطبقات محدودة جدا من المجتمع المصري. ان السكن أصبح سلعه للتربح وليست خدمه أو حق يلتزم المجتمع بتوفيرها للجميع، كيف تحول العقار إلي وسيله للاستثمار وسيله لحفظ القيمة والادخار.
متي نصلح الخلل ونعمل على تقديم السكن لجميع الطبقات المادية والاجتماعية، في الريف والحضر، للغني والفقير، للشباب والشابات، دعونا نتفق على إن السكن حق وتعالوا نفكر سويا كيف نوفر هذا الحق.
ان الزمة القادمة ليست بالضرورة ازمة فقاعه عقاريه بقدر ما قد تكون ازمة تراكم الاحتياج الحقيقي لأجيال سابقة وقادمة، ماهي الحلول المقترحة والاتجاهات الجديدة لدفع السوق لتفادي الازمة المتوقعة وحماية السوق العقاري المصري من التعثر.