مصطفى عبيد يكتب: صناعة الآلات في مصر

الآلات هي أحد أساسيات الصناعات الهندسية وهي القلب النابض للصناعة عموماً .. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل توجد صناعة آلات في مصر.. وما مستواها.. وما هي المكانة التي وصلنا إليها في صناعة الآلات؟.

أولاً: وبكل ثقة وصدق، مصر بها صناعة آلات حقيقية وتنقسم هذه المصانع الي فريقين.. فريق يصنع الآلات بالهندسة العكسية بحيث يصنع ماكينات تنافس المستورد – بل هناك منتجات أفضل من المستورد.. أو تصميم مصري.. أو نقل تكنولوجيات – أو الحصول علي حق المعرفة من المصانع الأصلية بالاتفاق معهم للحصول على Know How وينتج بنفس الجودة. ونفس التصميم.

الفريق الآخر هو المصانع التي يطلق عليها “مصانع بير السلم”، أنا أرفض هذا المسمى وأفضل أن أقول “مصانع الاقتصاد الموازي”، لأن اللذين يقومون بهذا هم صناع لديهم خبرات ويستطيعون أن يصنعوا الآلات، ولكن ليس بالجودة أو الدقة المطلوبة – وتباع هذه الآلات في السوق المحلي بأسعار زهيده بالمقارنة بأسعار المستورد، أو أسعار الفريق الأول.. الملتزم بالجودة والرقابة الصناعية.

ماذا نفعل؟

لابد من استيعاب الفريق الثاني ودخوله في حظيرة الاقتصاد الرسمي وتقديم كافة الخدمات المساعدة منها الفنية.. التدريبية.. المالية.. الخ ليتحول من مصانع سوداء الي مصانع بيضاء تعمل في النور، وهذا الوضع حدث منذ 40 عاما في تركيا، معظم المصانع الموجودة حالياً في منطقة قونيا والتي سحبت البساط من إيطاليا وألمانيا كان معظمها في ورش بدائية شبيهة بورش منطقة السبتية وسوق العصر عندنا، وأصبحت هذه المصانع تصدر لكل العالم بجودة عالمية وكانت سبباً في غلق مصانع كثيرة في إيطاليا.

نحن نحتاج الى مبادرات ومساعدات وتوجيهات للاهتمام بصناعة الآلات والاكثار منها وتنويعها حتي نصل الى اكتفاء ذاتي ولو بنسبة 50% لتوفير مليارات الدولارات.

أعود الى الفريق رقم 1 الذي يصنع الآلات بجودة عالمية.. نعم هناك صناعة للآلات شرفت مصر في المحافل والمعارض الدولية.. وتصدر الى دول أوروبا الغربية – ممكن البعض يقرأ هذه المقالة ولا يصدقني – سوف أذكر بعض الأمثلة لأن المقالة لا تكفي أن تتحدث عن كل الرواد في هذا المجال.

في عام 2002 كنت رئيساً لشعبة الآلات باتحاد الصناعات لمدة دورتين حتى 2008 وهذه الشعبة تضم 500 شركة وتم تنظيم هذه الشعبة وأصبحت أحسن و أقوى شعبة في اتحاد الصناعات في مدة 6 سنوات وتواصلنا مع اتحاد الصناعات في ألمانيا لعمل بروتوكولات إخاء وتبادل المعلومات، وزرنا المعارض الخاصة بالآلات مثل Mach Tech في هانوفر أكبر معرض دولي للآلات، ومعرض Resail في كارلسروه لخطوط الإنتاج المستعملة أو الماكينات المستعملة وبحالة جيدة، والآن هذه الشعبة والتابعة لغرفة الصناعات الهندسية تعداد شركاتها 1400 شركه منتشرة على خريطة مصر الصناعية.

أذكر من رموز هذه الشركات شركة شومان في دمياط الجديدة تصنع ماكينات «الفيلم» وتصدرها للعديد من دول أوروبا الغربية – عشرات المصانع تنتج ماكينات حديثة للتعبئة والتغليف – ماكينات الاخشاب بكل أنواعها وتصدر للخارج – ماكينات بتصميم خاص لأغراض خاصة – المثاقيب – الدسكات – ماكينات CNC الراوتر لصناعة الاخشاب والكثير والكثير من الآلات.

– عدد المصانع التي تصنع الراوتر الخاص بالأخشاب حالياً يصل الي أكثر من 20 شركة تنتج ماكينات CNC وهذه طفرة في صناعة الاخشاب المبرمجة، يقود هذه الطفرة مجموعه من الشباب الذين يحتاجون الي تواصل ودعم.

تقابلت أيضاً في فترة عضويتي لمجلس إدارة غرفة الصناعات الهندسية مع مجموعة شباب مهندسين متخرجين حديثاً في ذلك الوقت قاموا بتصنيع غرف تجفيف الاخشاب من الرطوبة Dry Furnaces ثم صناعتها بالهندسية العكسية من شركة المانيه وقاموا بعرض منتجاتهم في معرض في المانيا من المعارض المتخصصة ونالوا الاعجاب والتعاقدات للتصدير، منتج مشرف.

شركة عبيد الهندسية في 6 أكتوبر وقامت بصناعة الآلات عام 1992 بالتعاون مع شركة إيطالية وقمنا بتعديل بعض الماكينات للأفضل وهذه الماكينات تخص إعادة تجديد أجزاء المحركات وطنابير ودسكات الفرامل والمكابس ثم دخلت في صناعات هندسية تحتاجها المصانع الكبرى سواء انتاج جديد او إعادة تأهيل.

– أود أن أذكر بهذه المناسبة إحدى الباحثات تعمل في مجلس الوزراء واسمها مروة سويلم اختارت منذ 15 عاما موضوع البحث لنيل شهادة الدكتوراه عن صناعة الآلات في مصر.. واقتصادياتها .. ومشاكل انتاجها.

– وأشار إليها الجميع بمقابلتي لمساعدتها وإعطائها المعلومات التي تحتاجها وفعلاً قامت بمجهود وزيارات ميدانية ولم أبخل عليها بأي معلومة سواء فنيه أو اقتصاديه وتمت مناقشة الرسالة في كلية الاقتصاد جامعة القاهرة وكنت مدعواً لحضور المناقشة وإذ بها تذكر اسمي في مقدمة الرسالة تشكرني على المساعدات التي أفادت الرسالة حتى إن اللجنة التي ناقشت الرسالة قدمت اليّ الشكر.

هذه الرسالة يجب أن تخرج الى النور للاستفادة بما جاء بها – والباحثة موجودة.. والرسالة موجودة – والباحثة هي أستاذة متفرغة في جامعة مصر بجانب عملها في مجلس الوزراء.

في أحد\ التصريحات للفريق كامل الوزير نائب رئيس الوزراء للتنمية ووزير الصناعة الأسبوع الماضي أعلن أن مصر اتفقت مع شركة DMG MORI على إقامة مصنع لإنتاج الماكينات الحديثة المبرمجة CNC في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس – وكنت في منتهي السعادة عندما تلقيت هذا الخبر.

هذه الشركة العملاقة في تصنيع الآلات المبرمجة الحديثة من الجيل الرابع – الخامس – السادس، هي مجموعة شركات المانية DMG كل حرف منها هو اسم شركة عريقة مثلD هي Dekel وM & D وهكذا وقد تضامنت هذه المجموعة مع واحدة من الشركات اليابانية المتقدمة جداً وهي SIEKO MORI واصبح الاسم المكون للمجموعتين DMG MORI هذه الخطوة كنا نحتاجها منذ 30 عاماً تأخرت كثيراً ولكن آمالنا كبيره في وزير الصناعة يعوض ما فاتنا من وقت وننطلق سريعاً ولكن هذا المشروع الكبير لا يجعلنا نتجاهل مصانع الآلات المتواجدة حاليا والتي تحتاج الي ايادٍ وطنية لمساعدتها في الانطلاقة الكبرى. وبجانب DMO MORI نحتاج أيضاً مصانع آلات CNC بالتعاون مع الصين وتايوان لأن أسعار منتجاتهم تعتبر 30% من سعر DMG مما يمكن معه أن تنتشر ماكينات CNC في الورش الصغيرة والمنتشرة في أنحاء مصر للارتقاء بجودة المنتجات وتخفيض أسعارها لأن قدرة الإنتاج سوف تتضاعف باقل عدد من العمال.

ونداء الى كل مصري أن يفخر بمصريته في صناعة الآلات الموجودة بالفعل – توجد قامات صناعية وطنية تستطيع أن تنافس وتبتكر وتخترع.. المسألة تحتاج فقط الى تنظيم.. دعم.. ثقة بالنفس.. تقدير الصغير قبل الكبير.. احترام المنتج الوطني – الارتباط الوثيق بالبحث العلمي والاستفادة منه، بحيث لا ننسى أن مصر التاريخ هي منارة العلم للعالم كله.

والله ولي التوفيق..

آخر الأخبار