محمد مصطفى القاضي يكتب: ابشر قد نعيد إنتاج صفر المونديال
كان يرى البعض في حادثة صفر المونديال في مطلع العقد الأول من القرن الواحد وعشرين فشلا لبعض المسئولين عن الرياضة المصرية بينما كنت أراه نهاية مرحلة الاعتماد على التاريخ وعلى أمجاد الماضي لتحقيق إنجازات مستقبلية.
لمن لا يعلم ما هو صفر المونديال، فإنه نتيجة التصويت لصالح الدولة التي ستنظم كأس العالم 2010 الذي قرر الاتحاد الدولي لكرة القدم إسناده لدولة أفريقية وقد خرجت منه مصر بدون الحصول على أي صوت بينما فازت بها جنوب افريقيا بأغلبية أربعة عشر صوتا وخسرته المغرب بحصولها على عشرة أصوات فقط.
كان في خيالنا إنه عندما تنظم دولة إفريقية كأس العالم ستكون بالطبع مصر، صاحبة التاريخ والعراقة، الهرم والأثار، مصر أول حضارة في التاريخ، أكبر تاريخ من البطولات، وكنا نري لجنة الإعداد لملف مصر تجوب المحافظات وتبرز الآثار وتجهز زيارات للجان التفتيش في الأهرامات والمتاحف وتدهن الأرصفة وتنظف الشوارع وتضع الزهور بينما نفتقد لأبسط متطلبات الاختيار من شبكة طرق ومنظومة مواصلات عامة واستادات وملاعب تطابق المعايير الدولية وتوفير الأمن والسلامة، غرف فندقية كافية في جميع المحافظات.
كيف ترفض الفيفا الدولة صاحبة الخمسة آلاف سنة حضارة، الدولة التي أرسلت المدرسين والأطباء والمهندسين لدول المنطقة وتعليمهم وعلاجهم وبناء مدنهم.
لم ترفض الفيفا فقط إسناد البطولة لمصر، ولكنها اعطتنا صفرا كبيرا.
لا أعلم إلى متى لا نستطيع أن نفهم أن إنجازات الماضي لن تشفع لنا قلة التعليم أو الثقافة أو التطور، مر أمامي شريط صفر المونديال وتفسير المؤامرة الكونية على مصر وأنا أتجول في مدينة الرياض لأرى أمامي شعبًا يتغير، أعاد اكتشاف نفسه، شعب بدء حديثًا في العمل في جميع المجالات بعد أن كان يكتفي اغلبهم بدور الكفيل أو صاحب بناية يؤجرها للمقيمين، ترى الشعب السعودي يعمل في مطعم أو محل ملابس أو سائق، تراهم يتعاملون مع الضيوف بمنتهى الود والترحاب، أتحدث هنا عن الأغلبية التي رأيتها ومن منطلق تجربة شخصية لأيام محدودة قد لا تصلح للحكم على تطور المجتمع ولكنها تصلح للمقارنة مع الأوضاع في زيارات سابقة لنفس المدة والظروف.
نحن نجلس في مصر أمام التليفزيون لنشاهد مع العالم الدوري السعودي ونشاهد القنوات السعودية للأفلام والبرامج، مهرجانات غنائية وثقافيه، نسافر الرياض لحضور معارض ومؤتمرات، ونكتفي بمصمصة الشفاه ونقول ” إحنا اللي علمناهم، إحنا الأصل”، صحيح، ولكن إلى متى سنستمر نتركن إلي الذكريات والتاريخ بينما العالم يجري من حولنا ناظرا إلي المستقبل بينما يزداد تعلقنا بأمجاد الماضي والحنين إلى الأيام الخوالي التي كنا نقود العالم فيها.
علينا أن نعترف أنه لن يضع أحد قدمه في المستقبل دون علم أو تعليم أو تطور، ان العالم قد نفض من على كتفية غبار الماضي وتحرر من عبء الامجاد العظيمة الذي يكبل البعض ويمنعه من التقدم، إني أرى في الترحم على أمجادنا في أوائل القرن الماضي وكيف كانت مصر عظيمة وكانت بعض الدول لم تؤسس بعد خيبة أمل كبرى فلنري الآن أين هم وأين نحن.