أزمة الجوع.. كيف يهدد تغير المناخ مستقبل الأمن الغذائي؟

تعد التغيرات المناخية أحد أكبر التهديدات العالمية، حيث تتجاوز تأثيراتها البيئة لتطال الأمن الغذائي والصحة العامة والموارد المائية، وتنتج هذه الظاهرة عن الأنشطة البشرية كاحتراق الوقود الأحفوري، وإزالة الغابات، والزراعة، التي تزيد من تراكم الغازات الدفيئة، مما يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة وظواهر مناخية متطرفة كالجفاف والفيضانات الكارثية التي تتسبب بدورها في تدمير المحاصيل الزراعية وتعطيل الأسواق والبنية التحتية، مما يعرض سبل العيش للخطر ويدفع الملايين إلى حافة الجوع.

ووفقا لتقديرات حديثة، فإن الأساليب الحالية لإنتاج المواد الغذائية في أحوال كثيرة، تعد جزءاً كبيراً من أسباب التغير المناخي، حيث يتسبب نظام الغذاء العالمي في نحو ثلث انبعاثات غازات الدفيئة، ولم يسبقه في الترتيب سوى قطاع الطاقة، كما أنه يمثل المصدر الأول لغاز الميثان وفقدان التنوع البيولوجي.

ومع استمرار تصاعد هذه الظواهر المناخية القاسية، يصبح الأمن الغذائي في خطر أكبر، حيث لم تستطع المجتمعات توفير الغذاء لجميع أفرادها، خاصة في المناطق النامية التي تعاني من النزاعات والفقر، مما يزيد من التحديات الغذائية التي تهدد حياة الملايين حول العالم.

ولا تتوقف تداعيات تغير المناخ عند الغذاء، بل تمتد إلى الصحة العامة، حيث تؤدي الظواهر المناخية المتطرفة إلى تفشي الأمراض المرتبطة بسوء التغذية، مثل فقر الدم ونقص المناعة، كما يزيد نقص الغذاء من معدلات الهجرة والنزوح، مما يضغط على الموارد في الدول المضيفة، ويدفع بالمجتمعات إلى مزيد من الفقر والهشاشة الاقتصادية.

الدول الأكثر تضررا

وبحسب التقارير الصادرة عن منظمة الفاو والبنك الدولي، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تواجه تفاقمًا مقلقًا في أزمة الأمن الغذائي، حيث تشهد معدلات الجوع ارتفاعًا ملحوظًا بفعل الصراعات المستمرة والاقتصادات الهشة.

وتعد أفريقيا المنطقة الأكثر تضررًا، حيث يُتوقع تقرير منظمة الفاو، أن يزيد عدد من يعانون من نقص التغذية المزمن إلى 582 مليون شخص بحلول 2030.

وفي تقرير مشترك صادر عن 6 منظمات أممية رئيسية، من بينها منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) وبرنامج الأغذية العالمي، أكد أن أزمة الجوع في المنطقة العربية، شهدت تفاقماً ملحوظاً في عام 2023، ووفقاً للتقرير، يعاني نحو 66.1 مليون شخص من الجوع في المنطقة، وهو ما يعادل 14% من السكان، كما يواجه 186.5 مليون شخص، أي 39.4% من السكان، انعداماً معتدلاً أو شديداً في الأمن الغذائي، وتشير الأرقام إلى أن 72.7 مليون شخص عانوا من انعدام شديد في الأمن الغذائي، مما يعكس زيادة بنسبة 1.1% مقارنة بعام 2022.

وحذر التقرير من أن النزاعات الاقتصادية والمناخية، إضافة إلى ارتفاع أسعار الغذاء، تزيد من تعقيد الوضع في المنطقة، كما أظهرت الأرقام أن الدول المتأثرة بالنزاعات تشهد معدلات نقص تغذية بلغت 26.4%، مقارنة بـ 6.6% في المناطق المستقرة.

ولاتزال أزمة انعدام الأمن الغذائي تلقي بظلاليها، بعد تقديرات الأمم المتحدة التي أظهرت أن نحو 2.33 مليار شخص على مستوى العالم، كانوا يعانون من انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد في 2023، وهو مستوى لم يتغير كثيرًا منذ الارتفاع الحاد الذي شهدته الأسعار في عام 2020 بعد جائحة كوفيد.

التوقعات والآثار المستقبلية

ويتوقع في العام الحالي 2025، أن يصل عدد الأشخاص الذين يعانون من نقص حاد في الأمن الغذائي إلى 943 مليون شخص، في حين قد يتجاوز الرقم 956 مليونًا بحلول عام 2028، إذا استمرت الأزمات الاقتصادية والنقدية في التأثير على النمو العالمي.

ودفع هذا الوضع الخطير، البنك الدولي، إلى تصنيف الأمن الغذائي والتغذوي كأحد التحديات العالمية الثمانية الأكثر إلحاحًا التي يجب معالجتها على مستوى عالمي.

جهود برنامج الأغذية العالمي

واستجابة لهذه الأزمة المتفاقمة، يواصل برنامج الأغذية العالمي دعمه للمجتمعات المتضررة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث قدم الدعم لأكثر من مليون شخص في عام 2023.

كما يلتزم البرنامج بتوسيع نطاق العمل المناخي، من خلال زيادة الإنتاج الزراعي، وتعزيز قدرة المجتمعات على التكيف مع التغيرات المناخية، وتقليل انبعاثات الكربون، وذلك للمساهمة في تحقيق الأمن الغذائي المستدام.

مؤشر الغذاء العالمي

وبالرغم من تسجيل مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الغذاء في نوفمبر 2024 ارتفاعًا بنسبة 5.7% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، إلا أن الأسعار لازالت أقل بنسبة 20.4% من الذروة التي بلغها المؤشر في مارس 2022، حيث وصل إلى 160.2 نقطة، مما يعكس التقلبات المستمرة في أسواق الغذاء العالمية وتحديات الإنتاج المستمر.

الحلول المستدامة

ولحل الأزمة الغذائية بشكل فعال، فإن الزراعة تحتاج إلى تحول جذري، حيث ستصبح هذه المهمة أكثر تعقيدًا بسبب تغير المناخ؛ لذا بات من الضروري أن ننتقل إلى نظم زراعية أكثر إنتاجية واستدامة، ومن بين الحلول الفعالة، تبرز الزراعة التجديدية التي تعزز صحة التربة وتحافظ على التنوع البيولوجي، بالإضافة إلى التخفيف من آثار تغير المناخ، فضلا عن استخدام تقنيات الري الذكية وتعزيز الاستثمار في الزراعة المستدامة وتطوير محاصيل مقاومة للجفاف والآفات الزراعية.

ووفقًا لدراسات معهد نوبل للأبحاث، يمكن للأراضي الزراعية المستصلحة أن تساهم بشكل كبير في التخفيف من آثار تغير المناخ، حيث يمكن لهذه الأراضي امتصاص ما بين 2.6 إلى 13.6 جيجا طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا.

المبادرات المصرية

وفي إطار الجهود الدولية والإقليمية لمكافحة التغيرات المناخية وتعزيز الأمن الغذائي، أطلقت مصر في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (COP 27) مبادرات هامة تهدف إلى التصدي للأزمة الغذائية المرتبطة بالتغيرات المناخية، منها مبادرة FAST والتي تسعى إلى مساعدة الدول في الحصول على التمويل اللازم لمواجهة التغيرات المناخية والتحول المستدام للأنظمة الزراعية والغذائية، وتعد هذه المبادرة خطوة هامة لدعم الدول في تأمين استدامة إنتاجها الغذائي والتكيف مع تحديات المناخ.

إلى جانب مبادرة I-CAN، التي تركز على تسريع وتيرة العمل لمعالجة تداعيات التغيرات المناخية على سوء التغذية، ودعم التحول إلى أنظمة غذائية صحية ومستدامة، كما أنها تتكامل مع أنظمة الصحة العامة، والتعليم، والمياه، لتوفير حلول شاملة وفعّالة للتحديات الناجمة عن تغير المناخ.

اقتراحات رجال الأعمال 

وفي تصريح له، قال المهندس أشرف الجزايرلي رئيس غرفة الصناعات العذائية، إن انخفاض الانبعاثات الكربونية فى المنتجات المصنعة أصبح أمرا حتميا وانسجاماً مع التوجه العالمي لمواجهة التغير المناخي وتحقيق الأهداف الوطنية لخفض الانبعاثات والتنمية المستدامة، مشيرا إلى أنه في ظل التحول العالمي المتسارع نحو الحد من التغيرات المناخية وحماية البيئة، باتت الأسواق العالمية تضع معايير بيئية صارمة للمنتجات المستوردة مشترطة أن تكون الصادرات صديقة للبيئة والتزام المصدرين بخفض انبعاثات الكربون.

مصطفى النجاري، رئيس لجنة الزراعة بجمعية رجال الأعمال المصريين، أكد على أهمية الدور الحيوي الذي يلعبه مجتمع الأعمال في المساهمة مع الدولة في تحقيق أهدافها في التغلب على كافة الآثار المترتبة على التغيرات المناخية وتنفيذ خارطة طريق لمواجهة التحديات المناخية باعتبارها قضية تمس حياة المواطنين والزراعة والخدمات وجميع الصناعات الأخرى؛ لتحقيق طفرة كبيرة في الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي المصري.

وأشاد بإنشاء 3 محطات لمعالجة المياة، معتبرا إياه أمر مطمئن لمواجهة تحديات الزراعة من ندرة المياه.

التعاون الدولي أساس المواجهة  

ويمثل التعاون الدولي بين الحكومات والمنظمات الإنسانية والمؤسسات البحثية حجر الزاوية في التصدي لهذه الأزمة العالمية، التي تهدد استدامة الأمن الغذائي في المستقبل، حيث تتصدر الأمم المتحدة الجهود العالمية لمواجهة تغير المناخ منذ قمة الأرض عام 1992، التي أسفرت عن اعتماد اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، بهدف منع التدخل البشري الخطير في النظام المناخي.

وتلا ذلك، توقيع بروتوكول كيوتو عام 1997، الذي ألزم الدول المتقدمة قانونيًا بخفض الانبعاثات، وامتدت فترتا التزامه بين عامي 2008-2020.

وفي عام 2015، جاء اتفاق باريس ليجمع جميع الدول في التزام مشترك لمكافحة تغير المناخ، مع التركيز على الحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة العالمية ضمن حدود آمنة، وتعزيز دعم البلدان النامية لتحقيق مستقبل مستدام منخفض الكربون.

وختاما، إن تغير المناخ ليس مجرد تحدٍ بيئي، بل أزمة شاملة تهدد الأمن الغذائي، الصحة العامة، والاستقرار الاجتماعي، ولايمكن حل أزمة الأمن الغذائي إلا من خلال مكافحة تغير المناخ، حيث يشكل الاثنان تهديدًا مزدوجًا للمجتمعات الأكثر ضعفًا حول العالم.

الرابط المختصر
آخر الأخبار