الدكتورة مى منيب تكتب: التحفيز الحكومي للصناعة المصرية.. حوافز جديدة لمواجهة التحديات وتعزيز القدرة التنافسية

في خطوة جادة لدعم القطاع الصناعي في مصر، أعلنت الحكومة عن مجموعة من الحوافز الاقتصادية التي تهدف إلى معالجة التحديات التي تواجه المستثمرين الصناعيين.

وتأتي هذه المبادرات في وقت بالغ الأهمية، حيث يسعى الاقتصاد المصري إلى تنويع مصادر الدخل وزيادة حجم الإنتاج المحلي، بهدف تعزيز القدرة التنافسية للصناعات المصرية في الأسواق المحلية والدولية.

إحدى أبرز الحوافز التي تم الإعلان عنها هي تقسيط تكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمصانع لمدة سنتين دون فوائد، بالإضافة إلى اتخاذ إجراءات أخرى تهدف إلى تخفيف الأعباء المالية على الشركات والمصانع بغرض تحفيز النشاط الصناعي، حيث يمثل الغاز أحد أهم مكونات تكاليف الإنتاج في الصناعة المصرية، حيث تعتبر الطاقة من التحديات الكبرى التي تواجه معظم القطاعات الصناعية.

وفي مقارنة مع الدول الكبرى، نجد أن تكلفة الغاز في مصر تعد من أقل الأسعار عالميًا. ووفقًا لتقرير منظمة الطاقة الدولية (IEA)، فإن سعر الغاز المستخدم في الصناعة في مصر يبلغ 3.9 دولار لكل مليون وحدة حرارية، مقارنة بـ 7.7 دولار في تركيا و 9.4 دولار في أوروبا، مما يجعل هذه المبادرة خطوة مهمة لتحسين التنافسية الصناعية على المستوى الإقليمي والدولي.

على جانب آخر تم إلغاء المطالبات بالأثر الرجعي، لا سيما تلك المتعلقة بالفروق بين الأسعار المطبقة على الكهرباء الخاصة والكهرباء الحكومية، هو أحد القرارات الاقتصادية المهمة التي تساهم في توفير استقرار مالي للمستثمرين الصناعيين في مصر. هذه الخطوة تتيح تسهيلات مالية للمصانع التي كانت قد تعرضت لطلبات سابقة بالفرق بين الأسعار، بما يعزز من قدرة الشركات على إعادة ضخ الاستثمارات في تطوير خطوط الإنتاج وتحسين الأداء. وفي ألمانيا، على سبيل المثال، تواجه الشركات الصناعية ضرائب ورسوم عالية على الطاقة التي تصل إلى حوالي 18% من تكاليف الإنتاج، وهو ما يمثل عبئًا إضافيًا على الشركات الألمانية. بالمقابل، يُتوقع أن يساهم هذا القرار في تقليل التكاليف التشغيلية للصناعات المصرية وبالتالي زيادة قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية.

وتحفيزًا من الحكومة تم فتح المجال للاستثمار في صناعة الفوسفات. كخطوة لزيادة الاستفادة من توفير خام الفوسفات المحلي، باعتباره مصدرًا مهمًا من مصادر المواد الخام اللازمة لتصنيع الأسمدة الفوسفاتية وحامض الفوسفوريك، حيث تُقدر احتياطياته بنحو 1.3 مليار طن، مع وجود احتياطيات كبيرة في هضبة أبو طرطور. ولكن المشكلة التي تواجه صناعة الفوسفات في مصر تكمن في انخفاض تركيز الخام، مما يحد من القيمة المضافة التي يمكن أن تحققها هذه الصناعة لذا قررت الحكومة فتح باب المزايدات للبحث عن خام الفوسفات.

على جانب اخر مقارنة بدول أخرى مثل المغرب، التي تعتبر أكبر مصدر عالمي للفوسفات، حيث تصدر ما يقارب 30 مليون طن سنويًا وتحقق عوائد ضخمة من تصدير الفوسفات الخام والمنتجات المشتقة منه، فإن مصر لا تزال بحاجة إلى تكثيف الاستثمار في هذا القطاع لزيادة القيمة المضافة عبر تحويل الخام إلى أسمدة فوسفاتية. ولكن، تبقى الخطوات التي أُعلنت حديثًا بمثابة بداية لتطوير صناعة الفوسفات وتحقيق الاستفادة القصوى من هذه الثروات الطبيعية.

أيضا تم إبرام بروتوكولات تعاون مع قطاع البترول لتوريد الزيوت المستعملة من قبل الشركات الصناعية إلى قطاع البترول مقابل خصم من مديونياتها. هذه الخطوة تعكس رؤية استراتيجية للتعاون بين القطاعين العام والخاص في استخدام الموارد المتاحة، مما يساهم في تقليل التكاليف وتحسين الكفاءة الإنتاجية. وفي الولايات المتحدة الأمريكية، تمثل إعادة تدوير الزيوت والمواد الصناعية أحد أهم مصادر التوفير في التكاليف لشركات مثل شيفرون وإكسون موبيل، حيث يتم جمع الزيوت المستعملة واستخدامها في تشغيل المنشآت الصناعية بشكل أكثر فعالية. الخطوات المتخذة في مصر في هذا الاتجاه قد تسهم في توفير موارد إضافية للمصانع وتحقيق الاستدامة الاقتصادية.

كما أعلنت وزارة قطاع الأعمال العام عن خطة لتطوير صناعة الألومنيوم في مصر، والتي تعتبر من الصناعات الاستراتيجية نظرًا لاستخداماتها الواسعة في عدة مجالات مثل البناء والطاقة والاتصالات. وفقًا للتقارير، تقوم شركة مصر للألومنيوم بإنتاج حوالي 300,000 طن سنويًا من الألومنيوم، وتعمل الحكومة على توسيع طاقتها الإنتاجية وزيادة حجم مبيعاتها. وفي الصين، تعد صناعة الألومنيوم أحد أكبر القطاعات الصناعية، حيث تصل إنتاجيات الألومنيوم في الصين إلى 36 مليون طن سنويًا، مما يعكس الفجوة الكبيرة بين مصر والصين في هذا المجال. ومن هنا، فإن خطوات تطوير صناعة الألومنيوم في مصر، بما في ذلك زيادة الاستثمار في الطاقة الإنتاجية، هي بمثابة خطوة هامة نحو تقليص هذه الفجوة وتعزيز التنافسية.

إن الحوافز التي أعلنت عنها الحكومة المصرية تهدف إلى مواجهة التحديات التي يواجهها القطاع الصناعي، وتحفيز النمو الصناعي في مصر من خلال توفير التمويل الميسر، تقليص التكاليف، و تحفيز الاستثمارات في الصناعات الاستراتيجية. ومع زيادة استثمارات الدولة في قطاعات مثل الفوسفات، الألومنيوم، و الغاز الطبيعي، فإن هذه المبادرات تمثل خطوة هامة نحو تعزيز القدرة التنافسية للصناعات المصرية على الصعيدين المحلي والدولي. ورغم الفجوة الكبيرة في بعض القطاعات الصناعية مقارنة بالدول الكبرى مثل الصين و الولايات المتحدة، فإن هذه السياسات تمثل بداية لتوسيع قاعدة التصنيع الوطني، وبالتالي تعزيز دور القطاع الصناعي كأحد المحركات الرئيسية للاقتصاد المصري.

الرابط المختصر
آخر الأخبار