الدكتورة مي منيب تكتب: دور الشمول المالي في دعم الزراعة المصرية

تسعى مصر بشكل مستمر إلى تحسين مستوى معيشة صغار المزارعين، وهي فئة تمثل العمود الفقري لقطاع الزراعة في البلاد. الزراعة، التي تعد من أبرز القطاعات الاقتصادية في مصر، تواجه تحديات عديدة، أبرزها التغيرات المناخية، نقص الموارد المائية، وارتفاع تكاليف الإنتاج. ومع ذلك، تعكس المرحلة الثانية من مشروع دعم صغار المزارعين، الذي تم توقيع اتفاقيته مؤخرًا بين وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي وبرنامج الأغذية العالمي، رؤية استراتيجية تهدف إلى معالجة تلك التحديات وتعزيز التنمية المستدامة في المناطق الريفية، ولا سيما في صعيد مصر.

وفي هذا المقال، سنستعرض أهمية هذه المبادرة في السياق المحلي والدولي، مع تسليط الضوء على دور الشمول المالي، التمويل الزراعي، والتكيف مع التغيرات المناخية.

من المعروف أن الشمول المالي يعد أحد الأسس التي تسهم في تحقيق التنمية المستدامة، خاصة في البلدان النامية. في مصر، يواجه صغار المزارعين تحديات كبيرة في الوصول إلى التمويل الذي يعينهم على تطوير أنشطتهم الزراعية. وفي هذا السياق، يعكس مشروع دعم صغار المزارعين تطورًا مهمًا في هذه الجهود، حيث يساهم البنك المركزي المصري بالتعاون مع خمسة بنوك محلية في توفير تمويلات ميسرة للمزارعين، بهدف تعزيز قدرتهم على الاستثمار في التقنيات الزراعية الحديثة وتطوير مشروعاتهم الصغيرة.

وتشير الإحصائيات الدولية إلى أن الشمول المالي في مصر قد شهد تحسنًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة. وفقًا لتقرير البنك الدولي في عام 2023، ارتفعت نسبة المصريين الذين لديهم حسابات بنكية لتصل إلى 32%، مقارنة بـ 22% في 2017. ورغم هذا التحسن، إلا أن الرقم ما يزال منخفضًا مقارنة ببعض الدول الناشئة مثل البرازيل، التي تصل نسبة الشمول المالي فيها إلى 55%، حيث تخصص الحكومة البرازيلية نحو 2.3% من إجمالي الناتج المحلي لدعم الزراعة، حيث توفر البرازيل التمويل الزراعي من خلال البنك الوطني للتنمية الاجتماعية (BNDES)، الذي يقدم قروضًا منخفضة الفائدة للمزارعين وهو ما يعكس اهتمامًا أكبر بتوفير التمويل للمزارعين. في المقابل، الهند، وهي واحدة من أكبر اقتصادات العالم الزراعية، تواصل تطبيق استراتيجيات مبتكرة لتمويل الزراعة الصغيرة، حيث توفر قروضًا مدعومة للفلاحين عبر البنوك الحكومية والقطاع الخاص.

كما تعد زيادة الإنتاجية الزراعية أحد الأهداف الرئيسة لمشروع دعم صغار المزارعين في مصر. وفقًا لتقرير منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، تم تحقيق زيادة ملحوظة في إنتاجية المحاصيل خلال المرحلة الأولى من المشروع، حيث زادت إنتاجية القمح بنسبة 34%، بينما ارتفعت العائدات الزراعية بنسبة 35%. كما تم إدخال تقنيات حديثة مثل نظم الري الحديثة و محطات الطاقة الشمسية، مما أسهم في خفض التكاليف بنسبة 37.5%. وفي مقارنة دولية، نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية، التي تعد واحدة من أكبر دول العالم في الإنتاج الزراعي، تعتمد بشكل كبير على التقنيات الزراعية المتطورة. إنتاجية الفدان في الولايات المتحدة تتراوح بين 2.5 إلى 3 أطنان من القمح، بينما في مصر، فإن إنتاجية الفدان من القمح تتراوح بين 1.5 إلى 2 طن، مما يظهر الفجوة التي يسعى المشروع لتقليصها.

تعتبر التغيرات المناخية من أبرز التحديات التي تواجه الزراعة في مصر. في دراسة صادرة عن منظمة الفاو، تم التنبؤ بأن مصر قد تفقد نحو 10% من إنتاج القمح بحلول عام 2050 بسبب تأثير ارتفاع درجات الحرارة. لذلك، يركز المشروع على تكييف الزراعة مع تلك التغيرات المناخية من خلال تقنيات الري الحديثة و استخدام الطاقة الشمسية لتوفير الطاقة اللازمة في المناطق النائية. على جانب اخر فان دولة أستراليا، فقد شهدت انخفاضًا بنسبة 15-20% في إنتاج القمح نتيجة للجفاف المستمر، تسعى مصر إلى تحقيق الأمن الغذائي من خلال تعزيز الاستدامة البيئية في الزراعة. اما في كينيا، التي تُعد أحد الأمثلة الناجحة في هذا المجال، بدأ المزارعون في استخدام الطاقة الشمسية لتشغيل مضخات المياه، مما ساعد في تحسين الإنتاجية والتكيف مع الجفاف.

إحدى الركائز المهمة التي تساهم في نجاح مشروع دعم صغار المزارعين هي دور البنوك في توفير التمويل اللازم. تشارك خمسة بنوك في المرحلة الثانية من المشروع، مثل البنك الأهلي المصري وبنك مصر والبنك الزراعي المصري، بتوفير تمويلات تزيد عن 120 مليون جنيه. هذا التمويل يتيح للمزارعين إمكانية الحصول على التمويلات الميسرة التي يحتاجونها لتطوير مزارعهم وتحسين الإنتاجية الزراعية، وفي مقارنة مع أوغندا، التي حققت نجاحًا في توجيه التمويلات الصغيرة للمزارعين من خلال البنوك المحلية ومنظمات التمويل الأصغر، تعمل مصر على تعزيز دور القطاع المصرفي في دعم الزراعة، خاصة في المناطق الريفية الأكثر احتياجًا. في عام 2022، كانت أوغندا قد قدمت قروضًا صغيرة للمزارعين تصل إلى حوالي 35 مليون دولار.

اما عن تمويل الطاقة المتجددة في الزراعة في مصر، فتم إدخال محطات طاقة شمسية للمزارعين، وهو خطوة مهمة نحو الاستدامة البيئية وتحسين كفاءة الإنتاج الزراعي. وتأتي كينيا و الهند و البرازيل كنماذج ناجحة في تطبيق الطاقة المتجددة لتحسين الإنتاج الزراعي وزيادة الاستدامة البيئية استخدام الطاقة الشمسية بشكل خاص في الري والزراعة يعد من الحلول الفعالة التي يمكن أن تساعد في تحسين الإنتاجية وتقليل التكاليف.

إن مشروع دعم صغار المزارعين في مصر يعد خطوة هامة نحو تحقيق تنمية زراعية مستدامة، تهدف إلى زيادة الإنتاجية الزراعية، دعم الشمول المالي، التكيف مع التغيرات المناخية، وتحقيق الأمن الغذائي. وعلى الرغم من أن مصر تواجه تحديات كبيرة، إلا أن التعاون بين وزارة الزراعة، برنامج الأغذية العالمي، والبنك المركزي المصري يمثل نموذجًا يُحتذى به في كيفية استخدام التمويلات الميسرة و التقنيات الحديثة لتحسين حياة صغار المزارعين وتعزيز الاقتصاد الوطني. وفي إطار هذه الاستراتيجية، تسير مصر على الطريق الصحيح لتحقيق التنمية المستدامة وفقًا لرؤية مصر 2030.

الرابط المختصر
آخر الأخبار