الدكتور محمد القاضي يكتب: السوق العكاظي المصري

ربما تستطيع أن ترسم صورة كاملة للسوق العقاري المصري بمجرد مرورك على أحد المحاور الرئيسة في غرب القاهرة أو شرقها أو أسعدك الحظ بركوب الطريق الدائري الذي يربط شرق القاهرة بغربها فتري إعلانات المطورين العقاريين ومشروعاتهم التي تزين جنبات الطريق وتغلق الأفق بشاشات ملونه تبهر بأضوائها السائقين، ولعلك تسال نفسك، العديد من الأسئلة، من هؤلاء!؟ ولمن يبنون؟ ثم ما هذا الذي يبنونه؟

بالتأكيد إنه ليس التايم سكوير بنيويورك الذي تكاد تبني شهرته على الإعلانات والشاشات المبهرة وعربات الهوت دوج والطعام الحلال التي يمتلكها بجداره المصرين الزاحفين من الأقاليم المصرية، بل أستطيع أن أتخيل مشهد سوق عكاظ، أشهر أسواق الجاهلية في شبة الجزيرة العربية حيث يجتمع الناس ليستعرضوا مهارة الشعراء في الفخر والهجاء وكذلك التجارة في كل شيء، سوق بدائي ملئ بالبضائع بمختلف أنواعها، شعر وشعراء، تمر ولحوم وعبيد وأسلحه، اشتري وبيع واستمتع بالمأكولات وحلقات الشعر الغث منها والثمين.

أكاد أري التطابق بين المشهدين، مجموعه من المطورين أو التجار العقاريين ـكما اسميهمـ يستأجرون بأموالهم مجموعات من المعمارين والمهندسين ليستعرض كل منهم مجموعات من الرسومات الخيالية لمباني وفراغات عمرانية نعلم جميعا أنها لن تنفذ بهذه الطريقة ولا يعلم المصمم كيف ينفذها ولا يعلم المطور أساسا معناها أو تكلفتها ولا يفقه فيها شيئا السمسار ويعلم ذلك جيدا المشتري أو المقامر، ولا أحد يعلم من سيسكنها، ولكنه يهرول ليشتري السلعة.

أبداً لم يكن العقار سلعه للتجارة والاستثمار فقط، ولكنه في الأساس احتياج أساسي للمواطن، كيف لا يسال التجار العقاريين أنفسهم لمن يبنون ومن سيسكن مشروعاتهم، كيف لا تسال الدولة كيف وأين سيسكن كل هؤلاء الخريجين والشباب، المهم أن تستثمر الدولة في الإسكان الفاخر، المهم أن يبيع السماسرة وحداتهم، المهم أن تتفاخر الدولة بعدد الوحدات التي تنفذها وتبيعها كل عام وعوائد البيع الخيالية وتشرح لنا كيف يخدم السوق العقاري بضع وعشرين صناعه، يهمهم خلق راي عام مقتنع أننا نعيش نهضة عقارية، بينما يعيدون أخطاء الماضي ولكن بنشاط اكبر.

سوق مليء بالكلام والدعاية والأصوات المرتفعة والتفاخر بوعود يعلم الجميع أنها كلام شعراء والجميع يشتري ويبيع ويأكل في بهجه على حساب الاقتصاد والمواطن.

إنه السوق العكاظي المصري

الرابط المختصر
آخر الأخبار