الأسواق العراقية.. مراكز تجارية تعكس تاريخ الاقتصاد المحلي

تُعتبر الأسواق العراقية من أبرز الركائز الاقتصادية والثقافية في البلاد، حيث تعكس تاريخًا غنيًا من التبادل التجاري والتنوع الثقافي، هذه الأسواق ليست مجرد أماكن لبيع وشراء السلع، بل هي شواهد حية على تطور الاقتصاد العراقي عبر العصور، ومختبرات للتفاعل الاجتماعي والثقافي. من بغداد إلى البصرة، ومن الموصل إلى أربيل، تتنوع الأسواق وتتميز كل منها بخصائص فريدة تعكس طبيعة المنطقة وثقافتها، فضلًا عن دورها في الحفاظ على الهوية الوطنية.

سوق الشورجة في بغداد

يُعد سوق الشورجة في العاصمة بغداد واحدًا من أقدم وأكبر الأسواق في العراق، حيث يعود تاريخه إلى العصر العباسي، مما يجعله رمزًا لتاريخ التجارة في المنطقة. يشتهر السوق بتنوع منتجاته التي تشمل المواد الغذائية، التوابل النادرة مثل الزعفران العراقي، والأقمشة المطرزة بإتقان، بالإضافة إلى المنتجات الحرفية كالفخار والنحاسيات.

وفقًا لدراسات محلية، يستقطب السوق يوميًا أكثر من 100 ألف زائر، بينهم تجار من محافظات عراقية مختلفة وحتى من دول الجوار. يتميز الشورجة ببنية معمارية تقليدية تضم أزقة ضيقة ومتاهات من الدكاكين، مما يضفي عليه طابعًا ساحرًا يجمع بين الماضي والحاضر. يقول محمد علي، تاجر توابل في السوق: “الشورجة ليست سوقًا فحسب، بل هي ذاكرة بغداد الحية”.

سوق البصرة

في جنوب العراق، يبرز سوق البصرة كواحد من أهم المراكز التجارية، خاصة في مجال تجارة التمور التي يُنتج العراق منها أكثر من 600 ألف طن سنويًا، بحسب بيانات وزارة الزراعة. تشتهر البصرة بتمور “البرحي” و”الخلاص” التي تُصدر إلى دول مثل الهند وماليزيا، بالإضافة إلى أسماك الشبوط والكارب التي تُجلب من شط العرب.
يُقام في السوق مهرجان سنوي للتمور يجذب مستثمرين دوليين، كما يُعد سوق السمك الواقع على ضفاف شط العرب وجهةً سياحيةً بامتياز، حيث يُمكن للزوار اختيار أسماكهم الطازجة وتحضيرها في المطاعم المجاورة مباشرةً.

سوق الموصل

في شمال العراق، يُعتبر سوق الموصل من أبرز الأسواق التي تعكس الإرث الزراعي والحرفي للمنطقة. يشتهر السوق ببيع المنتجات الزراعية مثل القمح والحمضيات، بالإضافة إلى الحرف اليدوية كصناعة النحاسيات المنقوشة والأثاث الخشبي المزخرف.
على الرغم من الدمار الذي تعرضت له الموصل خلال السنوات الماضية، إلا أن السوق شهد عملية إعادة إعمار جزئية بدعم من منظمات دولية، حيث يقول أحمد حسن، صاحب ورشة نحاس: “عملنا على إحياء الحرف التقليدية كرسالة مقاومة ضد الدمار”. كما يُقام في السوق معرض سنوي للمنتجات اليدوية بالتعاون مع منظمة اليونسكو.

سوق أربيل

في إقليم كردستان، يبرز سوق أربيل (القيسارية) كواحد من أكثر الأسواق ديناميكية، حيث يجمع بين المنتجات المحلية مثل السجاد الكردي المنسوج يدويًا، والسلع المستوردة من تركيا وإيران كالأجهزة الإلكترونية والملابس.
تشير إحصاءات حكومية إلى أن حجم التبادل التجاري عبر سوق أربيل مع دول الجوار يتجاوز 200 مليون دولار سنويًا. بالإضافة إلى ذلك، يُعد السوق وجهةً للسياح الأجانب بفضل مقاهيه التقليدية ومطاعمه التي تقدم أطباقًا كرديةً أصيلة مثل “الدولمة” و”الكباب”.

الأسواق الدينية

تلعب الأسواق الدينية دورًا محوريًا في المدن المقدسة مثل النجف وكربلاء، حيث تُباع المنتجات المرتبطة بالزيارات الدينية، كالسبح المصنوعة من طين الكربلاء، والمصاحف المزخرفة، والهدايا التذكارية.
يُقدّر عدد الزوار السنوي لهذه الأسواق بأكثر من 5 ملايين زائر، وفقًا لبيانات وزارة السياحة. يقول حيدر عباس، بائع في سوق النجف: “المنتجات هنا ليست مواد تجارية فحسب، بل هي بركات يُقتنى بها”. كما تُنظم في هذه الأسواق معارض للفن الإسلامي خلال المناسبات الدينية كعاشوراء والأربعينية.

دور الأسواق في الاقتصاد العراقي

تشكل الأسواق التقليدية ما يقارب 40% من الاقتصاد غير الرسمي في العراق، وفقًا لتقرير البنك الدولي لعام 2022. فهي لا توفر فرص عمل مباشرةً لنحو مليوني عراقي فحسب، بل تدعم سلسلة إمدادات تمتد من المزارع إلى المستهلك.
في فترات الاستقرار، تُسجل هذه الأسواق نموًا في حجم المبيعات بنسبة 15% سنويًا، كما يُلاحظ ازدهار قطاعات مثل الصناعات الغذائية والحرفية المرتبطة بها. يقول الخبير الاقتصادي د. علي حسين: “الأسواق هي مقياس حقيقي لصحة الاقتصاد العراقي، خاصةً مع تراجع دور القطاع النفطي في توظيف الأيدي العاملة”.

التحديات بين الإرث التاريخي والواقع المعاصر

تواجه الأسواق العراقية تحديات جسيمة، أبرزها البنية التحتية المتدهورةتعاني معظم الأسواق من نقص الخدمات الأساسية كالكهرباء والصرف الصحي، مما يؤثر على جاذبيتها.

تنافس مع المراكز التجارية الحديثة ظهرت مراكز تسوق كبيرة في بغداد وأربيل، جذبت شريحة من الشباب الباحثين عن سلع مستوردة بأسعار تنافسية.

والتأثر بالأزمات السياسية: كالحصار الاقتصادي في التسعينيات، وغلق المنافذ الحدودية خلال الاحتجاجات الأخيرة.

وانتشار غياب الرقابة على المنتجات المقلدة والمهربة، خاصة في أسواق أربيل والبصرة.

الرابط المختصر
آخر الأخبار