أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء تحليلًا جديدًا حول “سلاسل القيمة للمعادن الحرجة”، تناول فيه الأهمية المتزايدة لهذه المعادن في دعم البنية التحتية التكنولوجية والطاقة النظيفة.
وأوضح التحليل أن المعادن الحرجة، مثل الليثيوم والكوبالت والنيكل والعناصر الأرضية النادرة، أصبحت ضرورية لتحقيق التحول العالمي نحو خفض الانبعاثات الكربونية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
دور المعادن الحرجة
وأشار التحليل إلى أن الطلب العالمي على المعادن الحرجة يتزايد بوتيرة غير مسبوقة، حيث تُستخدم هذه المعادن في تحسين أداء البطاريات وزيادة عمرها وكثافة طاقتها، مما يدعم تشغيل السيارات الكهربائية وتخزين الطاقة المتجددة، وصناعة المغناطيسات الدائمة المستخدمة في توربينات الرياح ومحركات السيارات الكهربائية، مثل معدن النيوديميوم، بالإضافة إلى تصنيع أشباه الموصلات والخلايا الشمسية، حيث يُستخدم الغاليوم والجرمانيوم في التكنولوجيا المتقدمة، بينما يدخل الأنتيمون في صناعة الذخائر والأسلحة.
وتستخدم شبكات الكهرباء التي تعتمد على النحاس والألومنيوم في جميع التقنيات الكهربائية الحديثة، ولقطاعات الدافعة لزيادة الطلب على المعادن الحرجة.
قطاع الطاقة المتجددة
وأوضح التحليل أن مصادر الطاقة المتجددة، مثل الرياح والطاقة الشمسية، تستهلك كميات كبيرة من المعادن الحرجة، حيث يتطلب إنتاج تيراوات ساعة من الكهرباء بمعدل 200% من المعادن مقارنة بمحطات الغاز الطبيعي في طاقة الرياح، و300% من المعادن مقارنة بمحطات الغاز الطبيعي في الطاقة الشمسية، ومع التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة، ارتفع استخدام المعادن بنسبة 50% لكل وحدة طاقة منتجة.
قطاع النقل البري
وأشار التقرير إلى أن المركبات الكهربائية تستهلك كميات أكبر من المعادن الحرجة مقارنة بالمركبات ذات محركات الاحتراق الداخلي، ويتوقع أن يرتفع الطلب على المعادن المستخدمة في البطاريات بأكثر من 30 ضعفًا بحلول عام 2040.
ويتضاعف الطلب على الليثيوم بأكثر من 40 مرة، بينما سيزداد الطلب على الجرافيت والكوبالت والنيكل بمعدلات تتراوح بين 20 و25 ضعفًا، ويزداد الطلب على النحاس مع زيادة الاعتماد على الكهرباء في تشغيل المركبات.
تقلبات الأسواق العالمية
وأفاد التحليل بأن أسواق المعادن الحرجة شهدت تقلبات حادة في الأسعار خلال 2023، حيث انخفضت أسعار الليثيوم بنسبة 75%، وتراجعت أسعار الكوبالت والنيكل والجرافيت بنسبة تراوحت بين 30% و45%، بينما زاد المعروض العالمي من هذه المعادن في مناطق مثل أفريقيا وإندونيسيا والصين، مما أدى إلى انخفاض الأسعار.
التنافس الجيوسياسي
وأوضح التحليل أن الصين بدأت إعادة تشكيل خريطة تصدير المعادن الحرجة، حيث أعلنت حظر تصدير بعض المعادن الحيوية، مثل الغاليوم والجرمانيوم والأنتيمون المستخدمة في أشباه الموصلات والتكنولوجيا المتقدمة.
وفرض قيود مشددة على تصدير الجرافيت، وهو مكون أساسي في بطاريات السيارات الكهربائية، بينما جاءت هذه الخطوة بعد قيود أمريكية جديدة استهدفت 140 شركة صينية في مجال تصنيع الرقائق المتقدمة.
تداعيات الحظر الصيني
ونظرًا لأن الصين هي المُنتج الأكبر عالميًّا للمعادن الحرجة، فإن قيودها تؤثر مباشرة على سلاسل التوريد العالمية، حيث ارتفعت أسعار ثالث أكسيد الأنتيمون في أوروبا بنسبة 228% منذ بداية 2024، لتصل إلى 39 ألف دولار للطن المتري، وانخفضت شحنات الأنتيمون من الصين بنسبة 97% خلال أكتوبر 2024، مما أثار مخاوف من اضطرابات جديدة في الأسواق العالمية.
استراتيجيات التعامل مع الأزمات
وأكد التحليل ضرورة تقليل الاعتماد على الموردين الصينيين، حيث بدأت الولايات المتحدة تطوير مناجم الأنتيمون في ولاية أيداهو بدعم حكومي، وتعزيز إنتاج المعادن محليًّا لتقليل الضغط على الواردات الصينية.
تعزيز دور أفريقيا
وأوضح التحليل أن عدم تطوير الصناعات المعتمدة على المعادن الحرجة في أفريقيا يُفوّت فرصًا كبيرة لتحقيق التنمية المستدامة. لذلك، تحتاج دول القارة إلى تعزيز البنية التحتية الصناعية لجذب الاستثمارات، وتطوير شراكات استراتيجية للانتقال من تصدير المواد الخام إلى الصناعات ذات القيمة المضافة.
رؤية مصر
وأكد التحليل أن مصر يمكنها تحقيق مكانة إقليمية رائدة في هذا القطاع من خلال تطوير صناعات محلية لمعالجة النيكل والكوبالت، على غرار تجربة جمهورية الكونغو الديمقراطية في تعظيم الاستفادة من المعادن الحيوية، والعمل على استحداث نظام تجاري عالمي أكثر انفتاحًا وإنصافًا، خاصة مع الاتجاهات الحمائية السائدة في الأسواق الدولية، وتحديث الاتفاقيات التجارية لتعزيز دور مصر كمركز إقليمي لصناعة المعادن ذات القيمة المضافة، بما يدعم التحول نحو الاقتصاد الأخضر.