تداعيات ارتفاع أسعار الوقود في «مصر».. بين موجات التضخم وضغوط المواطنين وخيارات الحكومة

في خطوة أثارت جدلاً واسعًا، أعلنت الحكومة المصرية عن رفع أسعار الوقود في كافة أنواعه، اعتبارًا من الساعة السادسة صباحًا من يوم الجمعة الماضية، وهو القرار الذي جاء في إطار سياسات الإصلاح الاقتصادي وضبط دعم الطاقة، لكنه في الوقت نفسه خلّف سلسلة من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية، أثرت بشكل مباشر على حياة المواطنين وسوق السلع والخدمات، وفتحت بابًا واسعًا للتساؤلات حول قدرة الدولة على موازنة الكلفة المجتمعية بالإصلاحات المالية.

القرار الحكومي وملابساته

بدأت الحكومة بتنفيذ القرار بزيادة أسعار البنزين بأنواعه، إلى جانب السولار، في إطار خطة تحرير تدريجي لأسعار المحروقات، وفي مقابل ذلك، قررت تثبيت سعر المازوت المستخدم في الصناعات الغذائية، في محاولة لامتصاص جزء من الآثار المحتملة على أسعار الغذاء.

وقد تزامن هذا القرار مع تحركات رسمية لرفع تعريفة المواصلات العامة والانتقال بين المحافظات، وهو ما انعكس بشكل فوري على جيب المواطن.

التأثيرات على الأسعار والتضخم

ارتفعت تكاليف النقل العام والخاص بفعل زيادة أسعار الوقود، وبدأت الأسواق في تسجيل زيادات متفاوتة على أسعار السلع، خاصة المواد الغذائية.

وأكد الدكتور عبد النبي عبد المطلب، الخبير الاقتصادي، في تصريحات خاصة لـ «القرار المصري»: أن الأسواق شهدت تحركات في الأسعار على مستوى الجملة بنسب تراوحت بين 2% إلى 20% في اللحوم، الدواجن، منتجات الألبان، والحبوب، ويُتوقع أن تتضاعف هذه الزيادات حينما تصل إلى مستوى التجزئة والمستهلك النهائي.

وأضاف:”ارتفاع أسعار الوقود جاء في وقت يعاني فيه الاقتصاد من ضغوط كبيرة مرتبطة بانخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار، وهو ما يضاعف من حدة أثر القرار على مستويات التضخم”.

وتابع بأن المؤشرات تشير إلى أن التضخم الأساسي تراجع إلى 9.4% وفقًا للبنك المركزي، بينما ارتفع التضخم العام إلى 13.6% بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وهو ما يطرح مخاوف من عودة التضخم إلى مستويات مرتفعة خلال الأشهر المقبلة.

التأثير الزراعي والصناعي

وفي القطاع الزراعي، أدى ارتفاع سعر السولار إلى زيادة تكلفة تشغيل طلمبات رفع المياه من الترع إلى الحقول، بينما ظلت الأراضي التي تعتمد على الطاقة الشمسية بمنأى عن هذا الأثر، وهي غالبًا مزارع كبرى في الأراضي الجديدة.

وفي القطاع الصناعي، قال الخبير حسن هيكل، أمين عام جمعية “مواطنون ضد الغلاء” في تصريحات خاصة لـ «القرار المصري»: ، إن قرار تثبيت سعر المازوت للصناعات الغذائية خطوة إيجابية لتقليل أثر القرار على أسعار الغذاء، لكنه يؤكد في الوقت نفسه أن “النولون” أو تكلفة النقل سترتفع، مما سيؤثر في النهاية على أسعار الغذاء.

ارتفاع تكلفة المعيشة

في ظل ثبات الأجور الرسمية، بات المواطن المصري أمام معادلة صعبة، ارتفاع أسعار الوقود، وزيادات متوقعة في أسعار السلع والخدمات، دون تحسن فوري في دخله.

ولذلك، أعلنت الحكومة عن رفع الحد الأدنى للأجور إلى 6 آلاف جنيه، في محاولة لامتصاص أثر القرار.

لكن كما أشار الخبير الاقتصادي، حسن هيكل، فإن رفع الأجور يعني زيادة عرض النقود، وهو ما قد يدفع البنوك لاحقًا إلى رفع أسعار الفائدة للسيطرة على التضخم، ما يثقل كاهل المستثمرين المحليين ويقلل من جاذبية الاستثمار.

السياسات النقدية

تشير توقعات الخبراء إلى أن البنوك قد تلجأ إلى سياسة نقدية انكماشية جديدة، بهدف امتصاص زيادة عرض النقود الناتج عن زيادة الأجور.

وهذه السياسة ستؤدي إلى رفع أسعار الفائدة، تقليص قدرة المستثمرين على الاقتراض، خفض معدلات الاستثمار المحلي وتقليل فرص خلق وظائف جديدة.

وفي هذا الإطار، قال حسن هيكل:”بدلًا من الدخول في حلقة مفرغة بين التضخم ورفع الفائدة، ينبغي توجيه الجهود نحو تعزيز البنية الإنتاجية، لأن الإنتاج هو السبيل الحقيقي للخروج من الأزمة”.

تحديات البنية الإنتاجية والتصديرية

على الرغم من التوقعات بأن تصبح مصر أكثر جذبًا للاستثمار الأجنبي بعد تحرير أسعار الطاقة، فإن الواقع الإنتاجي لا يزال يعاني من مشكلات هيكلية تتمثل في ضعف البنية التحتية التصديرية، ارتفاع الاستهلاك المحلي على حساب الفائض للتصدير، غياب أراضٍ متاحة في المناطق الحرة للمستثمرين وبطء الإجراءات الإدارية في تأسيس المشروعات الجديدة.

وأوضح هيكل أن مستثمرين كُثر لا يجدون أراضي متاحة في مناطق مثل الإسكندرية، الإسماعيلية، بورسعيد، دمياط، ومدينة نصر، وأكد ضرورة الإسراع في تفعيل مرونة الإدارة الحكومية لاستيعاب الاستثمارات الجديدة، تحت شعار “الإنتاج من أجل التصدير”.

سيناريوهات يوليو القادم

حذر الدكتور عبد النبي عبد المطلب من موجة تضخم ثانية محتملة في يوليو المقبل مع توقع رفع أسعار الكهرباء.

وأضاف أن عدم رفع أسعار الكهرباء حتى الآن ساعد على استقرار بعض أسعار الخدمات والسلع المرتبطة بها، لكن إذا تم رفعها قريبًا، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة في أسعار الخدمات المقدمة من المحال التجارية، ارتفاع تكاليف التشغيل للمصانع والمعامل، ضغط إضافي على المواطن محدود الدخل.

الدعم وضبط عجز الموازنة

ورغم إعلان الحكومة عن وفورات محتملة تصل إلى 130 مليار جنيه من قرار رفع أسعار الوقود، إلا أن هذه الوفورات قد تلتهمها تكلفة حزم الحماية الاجتماعية وزيادة الأجور، والتي قد تتجاوز 200 مليار جنيه.

وأكد عبد المطلب أن ما توفره الحكومة من دعم الوقود قد تخسره مضاعفًا في محاولة إعادة التوازن الاجتماعي وضمان حياة كريمة للمواطن، خاصة في ظل تدني القدرة الشرائية.

مطالب برلمانية بمساءلة الحكومة

في تطور لافت، تقدّم النائب الدكتور فريدي البياضي، عضو مجلس النواب ونائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، ببيان عاجل إلى المستشار الدكتور حنفي جبالي، رئيس المجلس، طالب فيه باستدعاء الحكومة لمساءلتها حول نتائج سياساتها الاقتصادية، وعلى رأسها قرار رفع أسعار المحروقات.

وانتقد النائب توقيت القرار الذي جاء بين أعياد المصريين، مشيرًا إلى أن الحكومة اختارت أن تكون “هدية العيد” للمواطنين عبارة عن أعباء جديدة، بدلًا من التخفيف عنهم في هذه المناسبة.

وأكد البياضي أن رفع سعر السولار تحديدًا ستكون له تداعيات كارثية على أسعار نقل البضائع والسلع الغذائية، والإنتاج الصناعي والزراعي، مما يؤدي إلى ارتفاع شامل لا ينجو منه بيت واحد، ويضرب الفقراء في صميم معيشتهم.

وأشار النائب إلى أن الحكومة رفعت سعر لتر السولار من 0.85 جنيه في عام 2014 إلى 15.50 جنيه حاليًا، أي ما يزيد على 18 ضعفًا، متسائلًا عمّا إذا كانت دخول المواطنين قد شهدت الزيادة ذاتها، أم أن الدولة تكتفي بتحميلهم العبء دون عدالة اجتماعية.

كما شكك في تبريرات الحكومة التي عزت الزيادة إلى ارتفاع أسعار النفط عالميًا، مشيرًا إلى أن سعر برميل النفط حاليًا يبلغ 64 دولارًا، أي أقل من سعره في 2014 الذي بلغ 105 دولارات، مؤكدًا أن الأزمة داخلية بالأساس بسبب تدهور الجنيه وغياب الرؤية الاقتصادية طويلة المدى.

وشدد البياضي على أن دعم النواب للدولة لا يعني الصمت على السياسات الاقتصادية الخاطئة، وختم بيانه بالقول: “آن الأوان لأن نقف موقفًا وطنيًا حقيقيًا، لا لحماية الحكومة، بل لحماية الشعب الذي نمثله”.

وطالب بمناقشة البيان في أول جلسة لمجلس النواب، واستدعاء الحكومة بكامل تشكيلها لعرض خطتها بشأن الحماية الاجتماعية، واتخاذ إجراءات فعلية، بدلًا من وعود لا تصل إلى الفقراء ولا تحميهم من لهيب الغلاء.

يُعد رفع أسعار الوقود جزءًا من سياسة أوسع للإصلاح الاقتصادي في مصر، لكنه يحمل في طياته آثارًا اجتماعية واقتصادية معقدة، تتطلب إدارة دقيقة لتداعياته على الأسعار والتضخم والمعيشة.

وبينما تحاول الحكومة امتصاص الصدمة بقرارات مثل تثبيت أسعار الطاقة لبعض القطاعات وزيادة الأجور، فإن الحل الجذري يكمن في تعزيز البنية الإنتاجية، وتوفير بيئة استثمارية جاذبة، وتسريع التصدير، لضمان تحقيق توازن اقتصادي عادل ومستدام.

الرابط المختصر
آخر الأخبار