تواصل مصر تحقيق تقدم اقتصادي ملحوظ بفضل الإصلاحات الهيكلية المتواصلة على مدى السنوات الأخيرة، إذ أدت إجراءات مثل تحرير سعر الصرف، وإصلاح النظام الضريبي، وتحسين بيئة الأعمال، وتقليص الدعم الحكومي إلى خلق مناخ استثماري جاذب عزز من استقرار الاقتصاد الوطني ورفع مكانة مصر على الخارطة الاقتصادية العالمية.
وأكد تقرير صادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا «الإسكوا»، أن مصر باتت قوة اقتصادية بارزة على مستوى العالم، إذ تُصنف ضمن أكبر 20 اقتصادًا عالميًا.
كما يشير التقرير إلى أن مصر تستحوذ على 27% من إجمالي الناتج المحلي في المنطقة، مما يعكس مكانتها الاقتصادية الكبيرة وقدرتها على دفع عجلة التنمية وتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط.
التدفقات الاستثمارية ترتفع
وفي سياق تعزيز جاذبية الاستثمارات، أظهرت بيانات البنك المركزي المصري ارتفاعًا ملحوظًا في التدفقات الاستثمارية؛ إذ سجلت صافي التدفقات من الدول العربية نحو 18.55 مليار دولار خلال التسعة أشهر الأولى من 2024، بينما بلغ صافي التدفق للاستثمارات الأجنبية المباشرة 18.18 مليار دولار بنهاية الربع الثالث، مقابل.21 مليار دولار في الربع الثاني.
تصدرت القطاعات الخدمية قائمة الجاذبية الاستثمارية بتسجيلها نحو 2.34 مليار دولار، تلتها الاستثمارات الصناعية التي بلغت 286.9 مليون دولار، فيما سجل القطاع الزراعي استثمارات بحوالي 17.2 مليون دولار.
تحسن الأداء الاستثماري
وعلى صعيد الأداء الاستثماري المحلي، شهد العام المالي 2024 تسجيل 78 صفقة استثمارية، ما يمثل زيادة بنسبة 1% عن العام السابق. كما ارتفعت الاستثمارات الخاصة في الربع الأول من العام المالي 2024-2025 لتصل إلى 133.1 مليار جنيه، بما يعكس نموًا بنسبة 30% مقارنة بالفترة المماثلة من العام المالي السابق.
نمو الاحتياطات والودائع
كما شهدت الاحتياطيات النقدية والودائع لدى البنوك تحسنًا واضحًا؛ فقد ارتفع إجمالي الودائع غير الحكومية بالعملة المحلية إلى 7.982 تريليون جنيه بنهاية فبراير 2025 مقارنة بـ7.730 تريليون جنيه في يناير، فيما زادت الودائع تحت الطلب وشهادات الادخار لتصل إلى 1.857 و6.125 تريليون جنيه على التوالي.
وارتفعت الاحتياطيات الدولية بقيمة 12.4 مليار دولار منذ بداية 2024، لتصل إلى 45.5 مليار دولار في مارس 2025.
ارتفاع الأصول الأجنبية
وفي مؤشر آخر على استقرار الاقتصاد، ارتفعت صافي الأصول الأجنبية بمقدار 1.48 مليار دولار لتصل إلى 10.2 مليار دولار خلال فبراير الماضي، مدعومة بانخفاض عجز صافي الأصول لدى البنوك التجارية وارتفاع صافي أصول البنك المركزي.
ووفقا لوكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني، فإن العوامل الإيجابية مثل حجم الاقتصاد المصري الكبير نسبيًا، والنمو المحتمل المرتفع في الناتج المحلي الإجمالي، والدعم القوي من شركاء دوليين وثنائيين دعمت التصنيف الائتماني لمصر.
وتضيف «فيتش»، أن مصر نجحت في الحفاظ على احتياطياتها الخارجية بعد الدفعة التي تلقتها في الربع الأول من 2024 نتيجة صفقة رأس الحكمة، وتدفقات رؤوس الأموال الأجنبية إلى سوق الدين المحلي.
نمو بنسبة 3.5%
وفي ضوء هذه المؤشرات الإيجابية، يظهر تقرير وزارة التخطيط أن الربع الأول من العام المالي الحالي شهد نموًا بنسبة 3.5% مقارنة بـ2.7% في الربع المقابل من العام الماضي، مما يعكس التحسن المستمر في جميع القطاعات الاقتصادية ويعزز من التوقعات الإيجابية بشأن الاقتصاد المصري في المستقبل القريب.
صادرات مصر
على صعيد الصادرات، حققت مصر نتائج إيجابية خلال عام 2024، إذ سجلت الصادرات السلعية غير البترولية 40.8 مليار دولار، بزيادة قدرها 5 مليارات دولار مقارنة بالعام السابق، ما يمثل نموًا بنسبة 14%، مما يؤكد نجاح السياسات الاقتصادية في دعم القطاعات الإنتاجية وتعزيز القدرة التنافسية على المستوى العالمي.
وتعززت هذه النتائج الإيجابية بما كشفته النشرة الشهرية لبيانات التجارة الخارجية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لشهر يناير 2025، والتي أظهرت ارتفاعًا ملحوظًا في قيمة الصادرات المصرية بنسبة 20.1% على أساس سنوي، حيث سجلت 4.36 مليار دولار، مقابل 3.63 مليار دولار في يناير من العام الماضي.
مخصصات الإنتاج المحلي
وفي إطار رؤية استراتيجية لتعزيز الإنتاج المحلي وتحفيز القطاعات الحيوية، أعلنت الحكومة عن تخصيص 78.1 مليار جنيه في مشروع الموازنة للعام المالي الجديد 2025/2026 لمبادرات وبرامج تركز على الأنشطة الإنتاجية والتصديرية والصناعات ذات الأولوية. ويتضمن المشروع تخصيص 8.3 مليار جنيه لدعم القطاع السياحي، و5 مليارات جنيه للأنشطة الصناعية الرئيسية، و3 مليارات جنيه لتحويل المركبات للعمل بالغاز الطبيعي، إضافة إلى منح حوافز نقدية تتراوح بين 3 و5 مليارات جنيه للمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، ومليار جنيه لتوفير سيارات تاكسي تعمل بالغاز الطبيعي وسيارات ربع نقل تُطرح للشباب.
توقعات فوربس أفريكا
وأكدت مجلة «فوربس أفريكا» استمرار مسيرة النمو الاقتصادي بمعدلات متسارعة، حيث يتوقع أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي نموًا بنسبة 4.7% خلال العام المالي 2025-2026، متفوقًا على توقعات صندوق النقد الدولي التي بلغت 4.1%.
وذكرت أن مصر تضع نفسها بقوة على خريطة التنمية في القارة الأفريقية بفضل موقعها الاستراتيجي وقوتها العاملة الماهرة ومواردها الطبيعية، مع استهداف زيادة بنسبة 15% في الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال العام المالي 2024-2025.
رؤية حكومية شاملة
ويعكس هذا الأداء الإيجابي مدى صلابة الاقتصاد المصري وقدرته على مواجهة التحديات العالمية، وهو ما أكده رئيس مجلس الوزراء، مشيرًا إلى أن الحفاظ على استقرار الاقتصاد يظل أولوية قصوى خلال هذه المرحلة، مع السعي لمواصلة النمو بطريقة إيجابية وتجنب الآثار السلبية للتقلبات الدولية.
وأضاف أنه كلف المجموعة الاقتصادية بوضع سيناريوهات عاجلة للتعامل مع هذه التحديات، من خلال تدارس إجراءات وأفكار تُبنى على رؤية شاملة، مؤكدًا أن مصر تخوض حاليًا حربًا اقتصادية عالمية تتطلب تعميق الاندماج مع شركاء دوليين أوسع، وتأمين الاحتياجات الأساسية، والاستمرار في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، إلى جانب تعزيز التصنيع المحلي، وتقديم حوافز قوية لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر في المرحلة المقبلة.
خريطة الاقتصاد العالمي
وتأتي هذه الإنجازات في إطار رؤية «مصر 2030»، التي تشكل الإطار الرئيسي لخطط النمو المستقبلي، حيث ترتبط السياسات الاقتصادية والإصلاحات الهيكلية برؤية متكاملة تهدف إلى خلق بيئة استثمارية داعمة ومرنة في إدارة الإنفاق العام.
ومع تواصل الإصلاحات وتحقيق مؤشرات النمو الإيجابية، تؤكد مصر قدرتها على مواجهة التحديات العالمية وتحقيق استقرار اقتصادي يدعم تطلعاتها في لعب دور رئيسي على الساحة الاقتصادية العالمية.