في أحد المشاهد الشهيرة من فيلم روبن هود، يقف البطل في مواجهة الفساد ويقول:
“أشياء كثيرة يجب أن تُصحح في دولة الملك”
ليختصر بجملة سينمائية مأساة شعوب تتأرجح بين حلم العدالة وواقع الخذلان.
اليوم، ونحن نعيش تداعيات قرارات اقتصادية صعبة كان آخرها رفع أسعار المحروقات، يتردد صدى تلك العبارة في الشارع المصري، لا كمشهد من فيلم، بل كحقيقة يومية يحياها الناس
ارتفاع أسعار لا يتناسب أبدا مع الزيادة في أسعار البنزين والسولار مع غياب تام للدولة في مراقبة الأسواق وترك الصدام بين المواطنين والتجار ويقابل ذلك تضخم مفرط وضعف القوة الشرائية وانكماش طبقة وسطى كانت يومًا ما عمودًا فقريًا لهذا الوطن.
نحن مع عمل إصلاحات حقيقية يتشارك فيها الجميع وأولها الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص والناس، ولكن ليس من المنطقي أن يكون الإصلاح من جيوب الناس وحدهم.
لدينا أمراض مزمنة اقتصاديا واجتماعيا وأولها الاعتماد بشكل مفرط على مصادر غير مستدامة مثل العقارات، رسوم مرور، مساعدات. بينما ينكمش دور الصناعة والزراعة.
ونعاني أيضا من تشوه هيكلي في الأولويات في ظل
القيام بعمل استثمارات ضخمة في البنية التحتية والعقار، مقابل ضعف مخصصات التعليم والصحة والصناعة.
بالإضافة الي مشكلة التضخم بلا حماية اجتماعية حقيقية فارتفاع الأسعار يلتهم دخل الأسرة والمعاشات والدعم لا تكفي لأبسط الاحتياجات.
وأعتقد أن تآكل ثقة المواطن هو أخطر ما نواجه.
فالمزاج العام سلبي، ليس فقط بسبب الأسعار، بل لشعور عام بأن صوت المواطن لا يُسمع، وأن القرارات تُتخذ دون نقاش مجتمعي حقيقي.
وبناء علي ذلك فان ما يجب أن يُصحح في الدولة الحديثة عدة أمور يمكن تلخيصها في إعادة ترتيب الأولويات وعلى رأسها استعادة الإنتاج الوطني، من خلال دعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة بإجراءات ضريبية ومالية مرنة وإعادة توطين سلاسل التوريد الصناعية محليًا .
وكذلك أصبح من الضروري فرض نسب محتوى محلي في كل مشروع قومي أو حكومي وتنفيذ قرار مجلس الوزراء بتفضيل المنتج المحلي، مع التاكيد علي ضرورة ترشيد الإنفاق الحكومي بواقعية ومراجعة الأولويات الاستثمارية، والتوقف عن المشاريع غير الضرورية في الوقت الراهن.
والتأكيد على ما حذرنا منه كثيرا بتقليل الاعتماد على القروض الخارجية.
وعمل إصلاح النظام الضريبي بتطبيق ضرائب تصاعدية حقيقية ودمج الاقتصاد غير الرسمي تدريجيًا دون إرهاب ضريبي.
وتبني سياسة دعم ذكية لا عشوائية بتحويل الدعم إلى نقدي مباشر للفئات الأشد احتياجًا مع ضبط أسعار السلع الأساسية عبر شراكات مع القطاع الخاص والمجتمع المدني.
ومن المهم فتح المجال العام والحوار الاقتصادي المجتمعي وإيجاد الحلول المناسبة والبديلة للأزمة الاقتصادية الراهنة.
وأقول بأنه لا إصلاح بلا نقاش، فمن الضروري إشراك الأحزاب والنقابات ورجال الأعمال الوطنيين والخبراء في رسم السياسات.
وأخيرا.. أؤكد أنه لا يمكن إلقاء اللوم كله على الحكومات ولا أتجاهل العوامل العالمية المعقدة.
لكن الحقيقة الصلبة أن الدولة القوية لا تُقاس بما تبنيه بل بما تُصلحه من خلل في علاقتها مع المواطن وفي إدارة مقدراتها الاقتصادية والاجتماعية.
نعم، “أشياء كثيرة يجب أن تُصحح”.. ولكن ليس في فيلم هذه المرة، بل في الواقع المصري الذي يستحق الأفضل.