تابعنا أزمة سلسلة محلات بلبن وهي بلا شك أزمة كاشفة لأزمتنا التاريخية والمرض المزمن عند كثير من الذباب القابع في الجهات الحكومية لا يهمه سوى جيبه وما أكثرهم وما أخطرهم.
مشهد يعكس كثيراً من الأمل وكثيراً من الألم، تدخل السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي بنفسه لتوجيه الجهات المعنية بسرعة إنهاء إجراءات وتراخيص سلسلة محلات بلبن، بعد أن واجه مؤسسوها تعطيلاً بيروقراطياً كاد يفتك بحلمهم، ويقتل مشروعاً ناجحاً يفتح باب 25 ألف بيت والأمثلة كثيرة والحقيقة مؤلمة
كغيرها من المشاريع، اصطدمت الشركة – وبالطبع مشاريع كثيرة – بجدار البيروقراطية الصلب.
أوراق لا تنتهي توقيعات تُشترى موظفون يعرقلون أكثر مما يُيسرون، ودوامة من الجهات المتداخلة التي تقتل الحلم قبل أن يولد.
أدارت الشركة أزمتها باحترافية فاختارت أن تفتح ملفها للرأي العام وتسليط الضوء على المعاناة التي تواجهها آلاف الشركات، وليس فقط بلبن.
استخدمت المنصات الرقمية بمهارة، فانتشر الخبر على مواقع التواصل الاجتماعي، وبدأت القنوات الفضائية والمواقع الإخبارية والصحف تتفاعل مع القصة، حتى أصبحت قضية رأي عام.
هنا تجسد الدور الحيوي والفعال للإعلام عندما يعود إلى دوره الطبيعي في أنه شريك حقيقي للتنمية والمنافسة في مناقشة قضايا المجتمع وصوته العالي وتوصيله همومه ومشاكله الي المسئول عكس ما نراه في العديد من وسائل الاعلام التي تحولت إلى طيلة وطبال وتطبيل
هذا هو الإعلام الذي تعلمناه.. حين يتبنى قضايا الإنتاج والعمل، لا الصراعات والتفاهات.
هنا ظهرت القيمة الحقيقية لإعلام حقيقي يستطيع أن يضغط دون أن يهدم ويكشف دون أن يبتز، ويطرح الأسئلة التي يجب أن تُسأل لماذا كل هذا التعقيد؟ ولمصلحة من يُحبط الشباب ؟
حين تدخل الرئيس السيسي وأصدر توجيهاته بتسهيل الإجراءات وإنهاء معاناة الشركة، كان ذلك رسالة واضحة: أن الدولة جادة في دعم الاستثمار، وأن ما يحدث من تعطيل وفساد لم ولن يُسمح له أن يستمر.
لكن هل يكفي أن يتدخل الرئيس في كل مرة؟ هل ننتظر جميعاً أن نصل إليه شخصياً ليُحل كل مشكلة؟ هذا غير ممكن، بل غير مقبول في دولة تحتاج كل جهد وكل يد تبني.
المشكلة الحقيقية ليست في بلبن، ولا في الشركات الأخرى التي قد تنهار في صمت، بل في منظومة إدارية مُهترئة، فاسدة في كثير من جوانبها، يتربع على مقاعدها موظفون يستمدون سلطتهم من قدرتهم على التعطيل، لا من كفاءتهم.
هؤلاء لا يعطلون المشاريع فقط، بل يُطفئون في روح الشباب فكرة المبادرة من الأساس.
مَن من الشباب اليوم يفكر في إنشاء مشروع وهو يعلم أنه سيقع في قبضة المرتشين، والموظفين المتربصين، والروتين القاتل؟ كم من فكرة عبقرية ماتت في مهدها لأن صاحبها لم يحتمل اللف والدوران بين المكاتب؟
نحتاج اليوم إلى وقفة صارمة، جادة، بلا مجاملة. لا يكفي أن نطلق المبادرات ونرفع الشعارات ونكرم الشباب في المؤتمرات، بينما يُعذبهم صغار الموظفين في الكواليس.
الرئيس سمع واستجاب، لكن التحدي الآن أن تسمع الدولة كلها. الاستثمار ليس لافتة تُرفع، بل مناخ يُصنع. والمستقبل لن يكون لأمة لا تحمي شبابها من سماسرة التعطيل وقتلة الأحلام.