بعد شهور من العوائد المرتفعة، أسدل الستار على شهادات الـ27%، لتطرح تساؤلات جديدة: هل يعني ذلك تحسن الاقتصاد؟ أم أن الطريق أمام المواطن ما زال طويلاً؟
قرارات البنك المركزي الأخيرة
أعلن البنك المركزي في اجتماعه يوم الثلاثاء 22 أبريل 2025، عن خفض أسعار الفائدة على الشهادات الادخارية بنسبة 2%، ليصل العائد إلى 25% على الشهادات ذات العائد الثابت و20% على الشهادات المتغيرة، وهو قرار يأتي بعد فترة من الاستقرار النسبي في سوق الصرف وتراجع التضخم.
لماذا تم اتخاذ هذا القرار؟
خلال الفترة الماضية، كانت الشهادات بعوائدها المرتفعة وسيلة لجذب المدخرات وحماية الأموال من التضخم، لكن مع استقرار أسعار الصرف والتضخم، بدأ المركزي في اتخاذ هذه الخطوة كجزء من سياسة نقدية تهدف إلى خفض الفائدة تدريجيًا لدعم النشاط الاقتصادي.
لماذا لم يشعر المواطن بتحسن؟
رغم مؤشرات التحسن، ما زال المواطن يواجه أسعارًا مرتفعة وسعر دولار قريب من 50 جنيهًا، مما يعرقل شعوره بالتحسن الفعلي. التضخم بدأ في التراجع، ولكن الأسعار لا تزال مرتفعة، والزيادة في الأسعار أصبحت أبطأ فقط.
تأثير القرار على إقبال المواطنين
من المتوقع أن يؤثر خفض الفائدة على حجم الإقبال على شهادات الادخار، حيث يبحث العديد من المواطنين عن بدائل أخرى مثل الذهب أو العقارات أو حتى الاحتفاظ بالكاش في انتظار فرص أفضل.
موقف البنوك من القرار
البنوك تراهن على استقرار الوضع الاقتصادي في المستقبل القريب، مع تراجع التضخم وزيادة المعروض من الدولار داخل البنوك، مما يساهم في استعادة الشركات لاستيراد السلع وتشغيل مصانعها.
خلفية اقتصادية إيجابية
يرتكز التفاؤل الحكومي على عدة جوانب منها:
- توقيع اتفاقات تمويلية مع المؤسسات الدولية.
- حصول الحكومة على استثمارات ضخمة مثل صفقة رأس الحكمة.
- انخفاض معدلات التضخم.
- زيادة المعروض من الدولار وتحريك الاستيراد.
تثبيت سابق ثم خفض تدريجي
وكان البنك المركزي قد قرر في اجتماعه يوم الخميس 18 يوليو 2024، تثبيت أسعار الفائدة عند مستويات مرتفعة، حيث أبقى سعر الفائدة على الإيداع عند 27.25% وسعر الفائدة على الإقراض عند 28.25%.
أتاح هذا القرار للبنوك طرح شهادات ادخار بعوائد مغرية وصلت إلى 27%، مما ساعد على جذب المدخرات المحلية بشكل كبير.
ومع الانخفاض الملحوظ في التضخم من مستويات تجاوزت 36% خلال منتصف 2024 إلى أقل من 28% بحلول أبريل 2025، أصبح من المنطقي أن يبدأ البنك المركزي في خفض الفائدة تدريجيًا لتعزيز النشاط الاقتصادي وتحفيز الاستثمار.
التحسن لا يزال بعيدًا
رغم القرارات الأخيرة، يشعر المواطن بأن التحسن الاقتصادي ما زال بعيدًا، لا يزال الأمل معقودًا على أن الإجراءات النقدية الأخيرة ستكون بداية لتحسن ملموس في حياة الناس اليومية.
ردود فعل البنوك بعد وقف شهادات الـ27%
مع إعلان وقف الشهادات ذات العائد 27%، بدأت بعض البنوك في تعديل استراتيجياتها التسويقية، حيث اتجهت إلى طرح منتجات بديلة مثل الشهادات الدولارية، أو الشهادات متوسطة الأجل بعوائد مقبولة، بالإضافة إلى التوسع في برامج القروض وخدمات التمويل العقاري والسيارات لجذب شرائح جديدة من العملاء.
تحركات البنك الأهلي وبنك مصر
البنك الأهلي المصري وبنك مصر، كأكبر بنكين حكوميين، كانا في مقدمة من أصدروا شهادات الـ27% خلال الأشهر الماضية.
وبعد انتهاء الطرح، أعلنا عن خفض العائد إلى 25%، وهو ما عكس توجها عامًا نحو التهدئة في السياسة النقدية. كما تم الإعلان عن حوافز جديدة لعملاء القروض والبطاقات الائتمانية.
دور البنوك الخاصة في المرحلة المقبلة
تسعى البنوك الخاصة الآن إلى استغلال الفراغ الذي خلّفه وقف شهادات الـ27%، من خلال طرح منتجات ادخارية واستثمارية أكثر تنوعًا، والتركيز على خدمات الديجيتال بانكنج وتسهيلات الدفع الإلكتروني، إلى جانب التوسع في التمويل الأخضر والمشروعات الصغيرة والمتوسطة بدعم من مبادرات البنك المركزي.
التحول نحو الاستثمارات الإنتاجية
المرحلة الحالية تشهد توجيهًا متزايدًا من الحكومة والبنوك نحو دعم الاستثمارات الإنتاجية بدلاً من الاعتماد على جذب المدخرات عبر أسعار الفائدة المرتفعة.
ويأتي ذلك في إطار محاولات لضبط السيولة داخل السوق وتحريك عجلة الاقتصاد، خاصة في ظل تحسن بيئة الاستثمار بعد قرارات تحرير سعر الصرف وزيادة تدفقات الدولار.
التوقعات لما بعد خفض الفائدة
يرى خبراء الاقتصاد أن خفض الفائدة يمثل بداية لمسار طويل نحو التعافي الاقتصادي، مؤكدين أن الأثر الحقيقي لهذه السياسات لن يشعر به المواطن إلا بعد مرور عدة شهور، وربما أكثر، حيث تحتاج السوق إلى استقرار طويل الأمد وتوافر السلع بأسعار مقبولة.
هل بدأ التحسن فعلاً؟
التحسن الاقتصادي لا يقاس فقط بمؤشرات التضخم أو سعر الصرف، بل بما يشعر به المواطن في حياته اليومية. ورغم الخطوات التي اتُخذت في سبيل ضبط السوق والسيطرة على الأسعار، لا يزال الطريق طويلًا أمام تعافي شامل ينعكس على معيشة المواطنين، ويجعلهم يقولون: نعم، بدأنا نُحسّ.