في عالم سريع النسيان، تطل علينا بين الحين والآخر تصريحات تستدعي منا أن نُذكِّر بالتاريخ لا أن نُجادل في البدهيات.
مؤخرًا، خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتصريح مستفز، يطالب فيه بأن يكون عبور السفن التجارية والحربية الأمريكية عبر قناة السويس مجانًا.
تصريح لا يصمد أمام التاريخ، ولا أمام أبسط قواعد السيادة الوطنية التي تدير بها الدول مواردها الحيوية.
قناة السويس، التي افتُتحت رسميًا في 17 نوفمبر 1869 بعد سنوات من الجهد والتضحيات المصرية، ليست مجرد ممر مائي، بل شريان دولي أساسي غيّر خريطة التجارة العالمية.
اختصرت القناة مسافة تقارب 8000 كيلومتر مقارنة بطريق رأس الرجاء الصالح، وجعلت من مصر مركزًا اقتصاديًا واستراتيجيًا لا غنى عنه.
وقد جاء قرار التأميم التاريخي في 26 يوليو 1956 بقيادة الزعيم جمال عبد الناصر ليؤكد أن القناة ستظل تحت السيادة المصرية الكاملة، وليقطع الطريق أمام أي محاولة للتحكم الأجنبي فيها.
الاتفاقيات الدولية، كاتفاقية القسطنطينية عام 1888، نصت على حرية الملاحة أثناء السلم، لكنها لم تنص أبدًا على العبور المجاني أو منح امتيازات خاصة لأي دولة.
اليوم، بعد أن أصبحت قناة السويس أكثر تطورًا وكفاءة عقب مشروع قناة السويس الجديدة عام 2015، بات العالم كله يدرك أن هذا الشريان ليس فقط ممرًا ملاحيًا، بل مشروع وطني مصري تديره أيادٍ وطنية بكفاءة واحترافية عالية.
تحقق القناة لمصر عائدات بلغت أكثر من 10 مليارات دولار في عام 2024 وحده، وفقًا لبيانات هيئة قناة السويس، مما يؤكد أهميتها المتزايدة للاقتصاد العالمي.
ولذلك فإن تصريح ترامب، المطالب بمرور السفن الأمريكية مجانًا، لا يمكن اعتباره إلا حلقة جديدة من محاولات تجاهل حقوق الشعوب وسيادتها.
قناة السويس لم تُدار يوماً إلا وفق إرادة المصريين، ولن تُفتح مجانًا لأحد مهما كان موقعه أو اسمه.
قناة السويس ليست للبيع، ولا العبور المجاني.
هي خط أحمر، تحفظه مصر بدماء أبنائها، وتحميه بإرادتها الحرة، وستبقى، كما أرادها التاريخ، رمزًا للسيادة الوطنية التي لا تُمنح ولا تُباع.