سعيد الأطروش يكتب: المشروعات الصغيرة حلم الطفولة الذي حطمته البيروقراطية.. أين الدولة ؟

عشنا طفولتنا في بيئة بسيطة للغاية كان جميع من في الأسرة يعمل لا أبالغ إذا قلت أن هذه الحياة علي بساطتها وبدائيتها كانت صورة حية من التكامل الصناعي والإنتاجي بالفطرة السليمة والنتيجة كانت البيوت مستورة.

كبرنا وكبرت طموحاتنا وسرنا في دروب الحياة للبحث واللهث عن حياة أفضل وبمرور الزمن اكتشفنا أن التطور والتقدم كان هو تلك الصورة الجميلة لبيوت منتجة تمثل مشاريع متناهية الصغر لم نكن ندرك أننا بعد الدراسات والخبرات والسفر والتعب وكل ما حصلنا من علم وتجارب هو ذلك النموذج الرائع في العمل والانتاج
المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر هل كلمة السر في معظم التجارب الاقتصادية الناجحة خاصة الصين التي بدأ بمثل بداياتنا في القري والنجوع؟

ولكن الفارق في أننا نؤمن نظريا بقيمة وأثر هذه النوعية من المشروعات ونتجاهل المشاكل الحقيقية التي تكمن دائما في التفاصيل البسيطة وهي كفيلة بتطفيش الشباب وإحباطهم وبالتالي اما ان يتحولوا الي طاقات سلبية ساخطة ومحبطة او عقول وطاقات تهاجر بحثا عن بيئة افضل تقدر قيمتها وتمنحها الفرصة تلو الأخرى.

وفي زمن التحولات الاقتصادية الكبرى لم يعد مقبولاً أن تظل وسائل الإعلام تكرر الحديث عن «التجارب الناجحة» دون أن تتحول هذه النماذج إلى تكتيكات قابلة للتنفيذ على الأرض.

نُكثر من الإعجاب بتجربة الصين في التحديث الاقتصادي، ونُبدي انبهارنا بدقة نموذج سويسرا في دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، لكننا لا نزال نعيش في فجوة واسعة بين ما نقوله وما نفعله.

لجنة المشروعات الصغيرة والمتوسطة بجمعية رجال الأعمال المصريين برئاسة المهندس حسن الشافعي عقدت اجتماع مهم جدا ودار نقاش أهم استكملته مع المهندس حسن الشافعي متعجبا من حديثه عن أن صادرات سويسرا 90% منها من إنتاج مشروعات صغيرة ومتوسطة وأن الصين بالفعل نهضتها الاقتصادية قامت ومازالت علي هذه النوعية من المشروعات ورغم أن هذه الكلمات يعلمها الجميع ولكن مازلنا نتحدث ونتحاور ونتناقش ونعقد مؤتمرات ونلقي محاضرات وعند التنفيذ كله بيعمل ودن من طين وودن من عجين إلا بعض التجارب البسيطه لاعتبارات الفشخرة ليس إلا.

حديث طويل مع المهندس حسن الشافعي أود أن أشارككم خلاصته وهي أن كل شيء يخص المشروعات الصغيرة موجود ومتوفر ..شباب وبنات في سن العمل.. قوانين وتشريعات وماأكثرها.

اهتمام من البنوك والجهاز المصرفي وحاجات كثير بالشكل ده والنتيجة ضئيلة جدا لأننا ما زلنا ندعم المشروعات الصغيرة إعلاميا وعلى أرض الواقع تعصف البيروقراطية والتعقيدات وعدم الدفع الحقيقي من كل أجهزة الدولة لنجاح المستثمر الصغير.

تجربة الصين لا تقوم فقط على النمو السريع بل على دور مركزي للدولة كمخطط استراتيجي وفاعل اقتصادي.

لم تكتف الدولة الصينية بتهيئة مناخ الاستثمار، بل تدخلت لتوجيه الموارد وفرضت معايير إنتاج وشجعت الصناعات ذات القيمة المضافة العالية.

الدولة هناك ليست مراقباً محايداً بل لاعباً محورياً.

وهذا ما نحتاجه في مصر أن تعود الدولة لتكون صانع رؤية اقتصادية لا مجرد جهة تنفيذية للقرارات.

أما التجربة السويسرية، فهي تقدم وجهاً آخر للدولة الذكية تلك التي تؤمن بأن الاقتصاد المتين يبدأ من القاعدة.

سويسرا، البلد الصغير جغرافياً يدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة عبر أدوات مالية ومصرفية مرنة وتدريب فني عالٍ وبيئة قانونية مشجعة.

النتيجة؟ منظومة إنتاج تنافسية قائمة على الابتكار المحلي لا على الاستيراد.

في مصر لدينا إرادة سياسية واضحة ولدينا شباب طموح لكن ما نفتقده هو «آلية التطبيق».

نتحدث كثيراً عن «البيئة الحاضنة» و«الشمول المالي» و«دعم ريادة الأعمال»، ولكننا نترك رواد الأعمال وحدهم في مواجهة بيروقراطية مرهقة ونظام تمويلي عاجز عن مخاطرة محسوبة.

لماذا لا نزال نشجع التجارب في الإعلام ولا نطبقها؟ لأننا لم نحسم بعد موقع الدولة في الاقتصاد هل هي مجرد منظم؟ أم شريك؟ أم قائد؟ لأننا لم نؤمن بعد بأن مشروعاً صغيراً قد يكون بذرة شركة عالمية، كما حصل مع قصص نجاح لا تُعدّ في سويسرا وألمانيا وحتى الصين نفسها.

ما تحتاجه مصر اليوم هو رؤية دولة تُعيد بناء الاقتصاد من أسفل لا من أعلى.

وكذلك إرادة تنفيذ تواكب التوجهات السياسية وتكسر الجمود الإداري.

وإنشاء منصة وطنية دائمة لاستلهام التجارب وتحويلها إلى أدوات تنفيذ، لا مجرد قصص تُروى في المؤتمرات أو البرامج الاقتصادية.

لسنا أقل من الصين في الموارد، ولا من سويسرا في العقول.
لكننا نحتاج أن نصدق أن التغيير ليس في ما نقوله بل في ما نطبقه.