في ظل تنامي الطلب المحلي على الكهرباء وتراجع قدرات الإنتاج من الحقول المحلية، بدأت مصر تحركات استراتيجية جديدة لتأمين احتياجاتها من الغاز الطبيعي المسال، عبر مفاوضات متقدمة مع موردين دوليين لعقود تمتد حتى عام 2030.
ووفقًا لما كشفته مصادر مطلعة لوكالة “بلومبرغ”، فإن الحكومة المصرية تركز حاليًا على توقيع اتفاقيات طويلة الأجل تشمل مرونة في إعادة تقييم الكميات سنويًا، بما يسمح بتعديل الواردات وفقًا لمتغيرات السوق واحتياجات الدولة.
من مصدر إلى مستورد
كانت مصر حتى وقت قريب لاعبًا رئيسيًا في تصدير الغاز الطبيعي المسال، غير أن التحولات المتسارعة في السوق المحلي دفعت البلاد إلى دخول قائمة الدول المستوردة، خصوصًا مع ارتفاع درجات الحرارة، وزيادة الاستهلاك المحلي نتيجة للنمو السكاني السريع.
ويُعد هذا التوجه تحوّلاً جوهريًا في المشهد الطاقي المصري، حيث يعكس سعي الدولة للحفاظ على استقرار إمدادات الطاقة رغم الانخفاض التدريجي في إنتاج الغاز، ما يفرض عليها الانفتاح على أسواق الاستيراد بوتيرة أسرع.
مرونة العقود
تشمل العقود الجاري التفاوض عليها بنودًا مرنة تمكّن مصر من إعادة تقييم احتياجاتها سنويًا، في محاولة لتقليل الاعتماد على السوق الفورية المتقلبة والتي تتسم بارتفاع الأسعار والمخاطر.
كما سيتم دعم الإمدادات عبر مناقصات شراء مستقلة لأي كميات إضافية خلال السنوات المقبلة.
وتأتي هذه الخطوة بالتوازي مع خطط الحكومة لإضافة وحدات عائمة جديدة لاستقبال الغاز المسال، ما يعزز البنية التحتية لاستيراد الوقود وتخزينه وتشغيله بكفاءة.
تراجع الصادرات
أظهرت بيانات الشحن التي حصلت عليها “بلومبرغ” أن صادرات مصر من الغاز الطبيعي المسال شهدت انخفاضًا تدريجيًا منذ أن بلغت ذروتها في عام 2022 عند 7.7 مليون طن سنويًا، حيث تراجعت الواردات إلى نحو 2.5 مليون طن فقط خلال عام 2024.
هذا الانخفاض في الصادرات تزامن مع تضاعف العجز في ميزان الطاقة المصري، حيث أفاد بنك “غولدمان ساكس” بأن العجز بلغ 11.3 مليار دولار في عام 2023، وهو ما ساهم في زيادة عجز الحساب الجاري من 3.2% إلى 6.2% من الناتج المحلي الإجمالي، في واحدة من أعلى نسب العجز خلال العقد الأخير.
قطر على قائمة الشركاء
ضمن التحركات المصرية، تُجري القاهرة حاليًا مشاورات مع دولة قطر، أحد أكبر منتجي الغاز في العالم، لتوقيع عقود توريد طويلة الأجل تضمن استقرار الإمدادات على المدى البعيد، في وقت تشهد فيه أسواق الغاز العالمية حالة من التوتر بسبب التغيرات الجيوسياسية وتقلبات الطلب.
صيف ساخن
تأتي هذه الجهود في توقيت حرج مع اقتراب فصل الصيف الذي يشهد ذروة استهلاك الكهرباء في مصر، ما يستدعي توفير إمدادات غاز مستقرة لتغذية محطات التوليد، ومنع أي انقطاعات أو تقليص في الأحمال.
وبينما لم تُصدر وزارة البترول المصرية تعليقًا رسميًا على المفاوضات حتى الآن، إلا أن التحركات الجارية تؤكد جدية الدولة في بناء منظومة طاقة مستدامة تُجنّب الاقتصاد أزمات محتملة في المستقبل القريب.