استعرض كامل الوزير، نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية وزير الصناعة والنقل ،تجربة مصر، باعتبارها جزءًا أصيلًا من القارة الأفريقية، في التغلب على عدة تحديات جوهرية أهمها تحديات التغيرات المناخية التي عانت منها مصر، حيث بلغت انبعاثات الغازات الدفيئة 300 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون بنسبة 0.6٪ من الانبعاثات على مستوى العالم خلال عام 2014، ومن قطاع النقل وحده انبعاثات قدرها 48 مليون طن ثاني أكسيد الكربون.
جاء ذلك خلال مشاركته بفعاليات منتدى «تمويل المناخ: أفريقيا تنمو خضراء» الذي نظمته مؤسسة استدامة جودة الحياة للتنمية والتطوير، وذلك بحضور طارق الخولي، نائب محافظ البنك المركزي المصري، والدكتورة ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة، والدكتور أحمد كوجك، وزير المالية، والدكتور محمد فريد رئيس هيئة الرقابة المالية.
انبعاثات الغازات في 2030
ورصدت الدراسات والتقارير الوطنية أن انبعاثات الغازات الدفيئة المعتادة (في حالة عدم وجود خطط نقل مستدامة وصديقة للبيئة) ستصل بحلول عام 2030 إلى 124 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، مما عاد بالسلب على المدن وصحة المواطنين، واستلزم قيام الدولة المصرية بوضع رؤيتها بتكامل وتضافر الخطط الوطنية للتنمية الشاملة والمستدامة والربط بين التخطيط على المستوى القومي والحضري والنقل المستدام، لفتح آفاق تنمية جديدة من شأنها الوصول إلى خلخلة الكثافة السكانية المتكدسة حول الوادي والدلتا والمساهمة في زيادة التنمية العمرانية وإقامة مدن حضرية جديدة والربط بينها بوسائل نقل خضراء مستدامة، والتي شكلت هذه الوسائل الحافز الأهم والأكبر في تشجيع المواطنين على إعادة توطينهم في هذه المدن الجديدة وفتح آفاق تنموية حضرية تحقق جودة الحياة للمواطنين.
مشروعات النقل الأخضر
وأوضح الوزير أنه انطلاقًا من هذه الرؤية، كان التركيز على محور النقل الجماعي المستدام، الذي يهدف إلى إنشاء شبكة متكاملة من وسائل النقل المستدام الأخضر، حيث ارتكزت مشروعات مترو الأنفاق والمونوريل والقطار الكهربائي الخفيف والأتوبيس الترددي السريع BRT في أكبر مدن القارة الأفريقية والشرق الأوسط على الإطلاق وهي القاهرة الكبرى، بالإضافة إلى مشروع إنشاء مترو الإسكندرية وتطوير ترام الرمل بمحافظة الإسكندرية، حيث يسكنهم ما يزيد على 30٪ من سكان الجمهورية.
مشروعات النقل الأخضر
كما يتم تنفيذ خطوط القطار الكهربائي السريع الثلاثة، بالإضافة إلى تطبيق أحدث النظم الخضراء بالموانئ المصرية من خلال تنفيذ مشروعات الطاقة الشمسية وتطبيق نظام البيئة المستدامة، وتطبيق نظام التراكي الآلي، والاعتماد على نظام OPS (On shore Power Supply) لإمداد السفن بالطاقة الخضراء، وتطبيق منظومة التخلص من المخلفات باستخدام أحدث المعدات الصديقة للبيئة. ولفت إلى أن تنفيذ مشروعات النقل الأخضر المستدام ينتج عنه تحول ما يزيد على 40٪ من مستخدمي وسائل نقل الركاب الأكثر تلوثًا (السيارات الخاصة والنقل العشوائي) إلى استخدام وسائل نقل أخضر مستدام صديق للبيئة، وكذلك تحول أنماط نقل البضائع من الشاحنات إلى السكك الحديدية والنقل النهري، وصولًا إلى خفض بمقدار 9 ملايين طن سنويًا من ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2030، بما يحقق نسبة خفض 8٪ من الانبعاثات.
الصناعة والطاقة النظيفة
وأكد الوزير أن وزارتي الصناعة والنقل تعملان على تطوير إطار عمل استراتيجي يدعم الاستثمار في التكنولوجيا النظيفة والطاقة المتجددة، ويعزز كفاءة استخدام الموارد، من منطلق الإيمان بأن التنمية المستدامة هي الطريق لتحقيق التوازن بين متطلبات النمو الاقتصادي والحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة. لذا، كان محور الصناعات الخضراء في الخطة العاجلة للنهوض بالصناعة وفي مستهدفات استراتيجية مصر الصناعية 2030، لذا يعتبر توفير التمويل لتشجيع الصناعات الخضراء ممكنًا أساسيًا للدولة المصرية.
تعاون الصناعة والبيئة
حيث تعاونت وزارة الصناعة مع وزارة البيئة في عدد من المبادرات والمشروعات لتشجيع القطاع الخاص على تبني سياسات الاقتصاد الدائري، مثل مشروع النمو الأخضر المستدام الذي يتم تطبيقه على مستوى محافظات الصعيد، ومشروع رفع كفاءة المحركات الكهربائية في الصناعات كثيفة استهلاك الطاقة، ومشروع رفع الوعي باستخدام نظم الخلايا الشمسية الصغيرة المرتبطة بالشبكة، وذلك لخفض الانبعاثات الكربونية وأيضًا الاستفادة من الطاقة الشمسية الوفيرة في الدول الأفريقية،لافتًا إلى أن ذلك كله يأتي بالتزامن مع إطلاق مصر لسوق الكربون الطوعي وتشجيع الشركات الصناعية على تداول شهادات الكربون من خلال هيئة الرقابة المالية، وتأهيل المجلس الوطني للاعتماد (إيجاك) ليكون جهة اعتماد دولية في الشرق الأوسط.
دور التمويل المستدام
ولفت الوزير إلى أن مصر تؤمن بأهمية التمويل المستدام كعنصر أساسي لتحقيق هذا التحول المنشود، وبذلك يمثل هذا المنتدى منصة مثالية لالتقاء صانعي السياسات، المستثمرين، والمؤسسات المالية لبحث أفضل السبل لتمويل المشاريع البيئية المبتكرة من خلال آليات تمويل مبتكرة لتمكين الشركات في قطاعات الطاقة، الزراعة، التصنيع، والبناء من تبني نماذج أعمال مستدامة، حيث تمثل هذه القطاعات المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي المستدام في مصر وأفريقيا.
إجراءات لتحفيز الاستثمار
وأضاف الوزير أن وزارة الصناعة تبنت تطوير أطر سياسية وتنظيمية تشجع على الاستثمار في الاقتصاد الأخضر، منها تبسيط الإجراءات الإدارية، وتوفير أراضٍ صناعية مرفقة على منصة مصر الصناعية الرقمية للتسهيل على المستثمرين، وتبني سياسات التحول الرقمي، إلى جانب تقديم حوافز ضريبية للاستثمار في الطاقة الجديدة والمتجددة، وإنشاء صناديق تمويل متخصصة لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة المتعثرة والمؤهلة للتصدير. لافتًا إلى أن شراكات القطاع العام مع القطاع الخاص، والمؤسسات المالية، والمجتمع المدني، تقوم بدور حاسم في نجاح هذه المبادرات، كما تساهم مؤسسات مثل مؤسسة استدامة جودة الحياة للتنمية والتطوير بشكل فعال في تعزيز ثقافة الاستدامة وتحفيز الاستثمار الأخضر.
دعوة لبناء أفريقيا خضراء
وفي ختام كلمته، أكد الوزير أن النمو الأخضر والتنمية المستدامة ضرورة ملحة، تتطلب تضافر الجهود لبناء مستقبل تكون فيه أفريقيا نموذجًا عالميًا في مواجهة التحديات البيئية، مشيرًا إلى أن مصر ملتزمة بدعم التحول نحو الاقتصاد الأخضر، ونشجع الجميع على اغتنام هذه الفرصة لبناء شراكات حقيقية تضمن مستقبلًا أفضل لأفريقيا، لنعيش في بيئة صحية ونبني اقتصادًا قويًا ومستدامًا، ونبني معًا أفريقيا الخضراء التي تستحقها أجيالنا القادمة، لنحوّل التحديات إلى فرص، والآمال إلى واقع مزدهر.