تشهد مصر خلال السنوات الأخيرة نشاطًا ملحوظًا في قطاع الثروات المعدنية، وعلى رأسها الذهب، حيث تحولت الاكتشافات المتتالية إلى أداة اقتصادية فعّالة ترفد الاحتياطي النقدي، وتفتح آفاقًا جديدة للاستثمار الأجنبي.
وجاء الإعلان الأخير لرئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي عن كشف ذهبي ضخم في منطقة «أبو مروات» ليؤكد مضي الدولة قدمًا في تعظيم الاستفادة من مواردها الطبيعية.
اكتشاف «أبو مروات»
في 21 مايو 2025، أعلن الدكتور مصطفى مدبولي، خلال زيارته لمحافظة البحر الأحمر، عن كشف تجاري جديد للذهب بمنطقة «أبو مروات» الواقعة في الصحراء الشرقية.
تم الاكتشاف من خلال شركة «آتون ريسورسز» الكندية بالشراكة مع الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية، ويُعد أحد أكبر الاكتشافات في السنوات الأخيرة.
- موقع المنجم: شمال شرق مشروع منجم الذهب «سمنة» وعلى بُعد 35 كيلومترًا من «حمامة الغربي».
- حجم الاحتياطي المُقدّر: نحو 290 ألف طن من الذهب الخام.
- قيمة الاستثمارات الحالية: أكثر من 2 مليار دولار تم إنفاقها على عمليات الحفر والتقييم والبنية التحتية.
- فترة الإنتاج المقبلة: يُتوقع أن يُنتج المنجم في 8 سنوات ما يفوق إنتاج مناجم مصر خلال الـ15 عامًا الماضية.
الاكتشافات السابقة
يُعتبر هذا الاكتشاف امتدادًا لسلسلة من النجاحات في قطاع الذهب بمصر، أبرزها منجم السكري الذي دخل الإنتاج منذ 2010.
ويُعد من أكبر 25 منجمًا في العالم، إذ يحتوي على احتياطي استراتيجي يكفي لفترة إنتاجية تتجاوز 10 سنوات، ويُنتج حاليًا أكثر من 500 ألف أوقية سنويًا.
التأثيرات الاقتصادية لاكتشافات الذهب
أولًا: دعم الاحتياطي النقدي وتعزيز قوة الجنيه
مع تنامي الإنتاج المحلي من الذهب، ازدادت مساهمات هذا القطاع في احتياطي النقد الأجنبي.
يعد الذهب أحد الأصول الآمنة التي تلجأ إليها الدول في الأوقات الاقتصادية الحرجة، ومصر ليست استثناء.
تعني زيادة الاحتياطي دعمًا مباشرًا للجنيه المصري، ما يُسهم في تحسين سعر صرفه أمام العملات الأجنبية.
ثانيًا: تقليص العجز في الميزان التجاري
الذهب يُصنّف ضمن الصادرات عالية القيمة، وزيادة تصديره يُسهم في تقليل الفجوة بين الصادرات والواردات.
ووفقًا لتقديرات وزارة البترول والثروة المعدنية، فإن صادرات الذهب المصرية سجلت نحو 1.5 مليار دولار سنويًا في السنوات الأخيرة، ومن المتوقع أن تتضاعف الأرقام مع دخول «أبو مروات» إلى الإنتاج.
ثالثًا: جذب الاستثمار الأجنبي المباشر
النجاحات المتتالية في قطاع التعدين، مدعومة بإطار تشريعي جديد (قانون الثروة المعدنية المعدّل عام 2020)، فتحت الباب أمام الشركات الأجنبية للدخول إلى السوق المصري.
ويؤكد وجود شركات مثل «سنتامين» و«آتون ريسورسز» البيئة الاستثمارية الجاذبة في قطاع التعدين المصري.
رابعًا: توفير فرص عمل وتحفيز التنمية الإقليمية
لا يوفر قطاع التعدين فقط وظائف مباشرة في مواقع الاستخراج، بل يُنشّط سلاسل إمداد كاملة تشمل النقل، والصيانة، والتوريد، والخدمات.
وتُعد المناطق النائية مثل الصحراء الشرقية المستفيد الأكبر من هذا التوسع، ما يُسهم في تقليص الفوارق التنموية بين المحافظات.
أرقام ومؤشرات داعمة
- إجمالي استثمارات قطاع الذهب: تخطّت حاجز 3.5 مليار دولار منذ 2016 حتى 2025.
- عدد الشركات العاملة: أكثر من 15 شركة محلية ودولية حاصلة على امتيازات بحث وتنقيب.
- صادرات الذهب والمعادن النفيسة: بلغت نحو 1.9 مليار دولار في 2024 وفقًا لهيئة الرقابة على الصادرات والواردات.
- إجمالي الاحتياطي المصري من الذهب (مايو 2025): يُقدّر بنحو 7.3 مليون أوقية، بما في ذلك الاحتياطي بالبنك المركزي.
رؤية الدولة لتطوير القطاع
في إطار رؤية مصر 2030، تضع الحكومة قطاع التعدين في مقدمة أولوياتها، حيث تسعى لرفع مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي من أقل من 1% حاليًا إلى 5% بحلول 2030، مع التركيز على الشفافية في التراخيص، وتيسير الإجراءات أمام المستثمرين، وتحديث الخرائط الجيولوجية على مستوى الجمهورية.
الاكتشاف الجديد في «أبو مروات» ليس مجرد رقم يُضاف إلى سجل الاكتشافات، بل خطوة استراتيجية نحو تحقيق طفرة في الاقتصاد المصري.
فهو يعزز من احتياطي الذهب، ويخلق فرص عمل، ويجذب استثمارات أجنبية، ويُعزز من قدرة الدولة على مواجهة الأزمات الاقتصادية، وإذا ما استمرت الدولة على هذا النهج في دعم القطاع، فإن مصر تضع قدمها بقوة على خريطة كبار منتجي الذهب عالميًا.