في الوقت الذي تكثف فيه الدولة المصرية جهودها لجذب الاستثمارات الأجنبية من خلال تقديم حوافز غير مسبوقة وتيسير بيئة الأعمال، يتزايد خروج رؤوس الأموال المصرية إلى الخارج، وتحديداً نحو الأسواق العربية، في مشهد يطرح تساؤلات ملحة حول التحديات التي تواجه المستثمر المحلي.
وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، سجلت الاستثمارات المصرية في الدول العربية نحو 2.1 مليار دولار خلال العام المالي 2023/2024، مقابل 3 مليارات دولار في العام السابق له، مما يعكس استمرار زخم توجه رؤوس الأموال المحلية نحو الخارج رغم جهود الإصلاح الداخلي.
الإمارات.. الوجهة الأولى لرأس المال المصري
تصدّرت الإمارات العربية المتحدة قائمة الدول المستقبلة للاستثمارات المصرية خلال العام المالي الماضي، بإجمالي 1.4 مليار دولار، ما يعادل ثلثي حجم الاستثمارات المصرية في الدول العربية.
وبلغ عدد الشركات المصرية العاملة بالإمارات نحو 5300 شركة، وفق ما أكده الخبير الاقتصادي هاني توفيق، الذي وصف هذه الأرقام بأنها تعكس تحديًا هيكليًا يجب معالجته قبل السعي المحموم وراء الاستثمار الأجنبي.
وفي السياق ذاته، كشف رئيس الوزراء مصطفى مدبولي عن وصول استثمارات الشركات المصرية في السعودية إلى أكثر من 70 مليار ريال سعودي (نحو 18 مليار دولار)، عبر نحو 6 آلاف شركة، تتصدرها مجموعة طلعت مصطفى التي تنفذ حاليًا مشاريع تطوير مدن متكاملة في السوق السعودي.
مفارقة التوسعات.. والاستثمار المحلي
تتزامن هذه الأرقام مع نجاح شركات مصرية كبرى مثل المقاولون العرب، والسويدي إليكتريك، وحسن علام، في اقتناص عقود ضخمة في مشاريع بنية تحتية وتنموية خارج البلاد، في الوقت الذي تواجه فيه بيئة الاستثمار المحلي تحديات دفعت بعض المستثمرين إلى البحث عن ملاذات أكثر استقرارًا.
وفي هذا السياق، وجّه الخبير الاقتصادي هاني توفيق انتقادًا صريحًا، قائلاً «قبل تشجيع الاستثمار الأجنبي، علينا أن نسأل: لماذا يخرج المستثمر المصري من بلاده؟»، مشيرًا إلى أن مكتسبات الدولة العميقة والمعوقات البيروقراطية لا تزال تمثل عوائق أمام نمو الاستثمار المحلي.
جهود حكومية.. لكن التحديات مستمرة
ورغم تلك المؤشرات، فإن الحكومة المصرية لا تزال تسعى جاهدة لتحسين البيئة الاستثمارية، حيث وافق مجلس الوزراء في فبراير الماضي على حزمة تسهيلات، تضم 29 إجراءً لتحفيز التجارة والاستثمار، تضمنت تسهيلات جمركية، وتطوير منظومة الإفراج عن السلع، وتعزيز الرقابة على الصادرات والواردات.
كما تواصل الدولة تنفيذ استراتيجية الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة (2023-2026) التي تهدف لتمكين القطاع الخاص وتعزيز الاستثمارات في مختلف القطاعات.
قطر: مصر فرصة واعدة
وفي شهادة دولية داعمة، أكد وزير المالية القطري علي الكواري خلال منتدى قطر الاقتصادي، أن مصر تمثل فرصة عظيمة للاستثمار، مشيرًا إلى وجود فرص واعدة لتحويل الودائع إلى استثمارات مباشرة، في ظل ما وصفه بـ«الزخم الإصلاحي» الذي تشهده البلاد.
رغم الجهود الحكومية الكبيرة لدعم بيئة الاستثمار المحلية، فإن خروج الاستثمارات المصرية للخارج يظل مؤشرًا مهمًا على تحديات لم تُحل بعد.
والمفارقة أن مناخ الأعمال في الخارج يبدو – بالنسبة لبعض المستثمرين المصريين – أكثر جاذبية من الداخل، وهو ما يتطلب مراجعة جادة للسياسات الحالية، وإزالة ما تبقى من معوقات أمام القطاع الخاص المحلي، كي لا تتحول مصر إلى مصدر للاستثمارات بدلاً من أن تكون وجهة لها.