مفاوضات انسحاب اسعار العقارات إلى حدود ما قبل التضخم

كتب: محمد مصطفى القاضي

يبدو أن فكرة خفض الأسعار بعد الانخفاض النسبي للدولار أشبه بإجراء مفاوضات عملية السلام في الشرق الأوسط على أساس الانسحاب إلى حدود الرابع من يونيو 1967 وكنا نسمع ذلك عند البدء في جولات المفاوضات في سنوات التسعينات من القرن الماضي وكان دائما يحذونا الأمل في تحقيق السلام حتي تم فرض سياسة الأمر الواقع التي استحال معها العودة إلي الحدود القديمة عمليا الا تحت ظروف صعبة وإجراءات معقدة.

أستعيد مقولة الفنان محمد سعد (اللمبي) في فيلم اللي بالي بالك ” شايف ابتسامة أمل، انسوا” عندما لأري الأمل في وجوه الكثيرين في انخفاض قريب وعاجل وكبير لأسعار العقارات مع الانخفاض النسبي لسعر الدولار، وهذا الأمل لا يفارقنا جميعا فطالما رأينا انخفاض أسعار الدواجن وكذلك تأثر بورصة البيض بسعر العلف واعتدنا كذلك علي تذبذب أسعار الطماطم باعتبارها مجنونة، بينما لم نر هذا الانعكاس علي العقار طوال تاريخنا الحديث فمنذ بداية دخول المطورين الخليجين بدءا من 2006-2007 تضاعفت الاسعار بشكل فوري من ما يقترب من 2000 جنيه للمتر في اقصي تقدير إلي حدود الأربعة آلاف جنيه مع صعود شبه يومي لم يتوقف الي الان لغير ظروف استثنائية.

وهنا يبرز سؤال هل سينخفض سعر العقار مع أي انخفاض للدولار!!؟؟؟
أعتقد أننا نحتاج إلي رؤية تحليلية متعددة الأبعاد لفهم الأسباب التي تتعلق بطبيعة العقار كسلعه لها مكونات ومدي ارتباط هذه المكونات بالدولار بينما نحلل طبيعة السوق المتداول فيه هذه السلعة ثم عامل التوقيت ومدي تأثيره على فكرة انخفاض او ارتفاع أسعار السلعة.

 

فلنتفق على أن العديد من السلع قد لا يرتبط سعرها بالتكلفة فقط ولا يرتبط مباشره بالدولار، ولكن تتأثر بارتفاع مؤشر التضخم، فمنتج السلعة هو مشتر لسلع أخري ولديه متطلبات لحياته واقعة تحت تأثير التضخم، فبائع الطماطم قد يرفع الاسعار حتي يستطيع أن يأكل ويشرب ويشتري سكر وسمن وزيت ويركب مواصلات. بينما يصبح رفع اسعار سلع اخري نتيجة وجود مكون دولاري في السلعة هو أمر منطقي مفهوم.

 

العقار كسلعة قد تكون أكثر تعقيدا ونحتاج أن نفهم مكونات سعر المتر مربع الذي نشتريه وهو بالمناسبة ليس فقط حديد واسمنت، ولكن مكونات متعددة مثل تكلفة ثمن متر الأرض التي قد تمثل ما يصل إلي 30٪ من سعر متر المباني و هو يستحيل ان ينخفض حيث تكون أسعار الأراضي في اغلب الاحيان بعقود ثابتة ومقسطة علي أقساط قد تصل إلي خمس سنوات او تم دفعها كاش او بالشراكة بين المطور وصاحب الأرض قبل البدء في المشروع، -واذا ارادت الدولة خفض أسعار العقار فلتساهم بخفض أسعار الأراضي- وكذلك تكلفة الدعاية والاعلان و التسويق التي لم تنخفض أسعارها بالطبع وكذلك مرتبات الموظفين والعمالة والتكلفة الغير مباشره من ايجار مقرات ومصروفات نثرية وتكلفة تشغيل التي بالطبع لم تنخفض إذا لم تكن قد ازدادت بنسب كبيره، وما بالنا بالضرائب والدمغات والتأمينات الاجتماعية، ويأتي أخيرا تكلفة متر الإنشاء الخرسانة وتشطيب الواجهات التي تصل إلي 45٪ من تكلفة المتر وقد لا يصل تكلفة مكون حديد التسليح إلي 20٪او 30٪ من ال45٪ التي تمثل قيمة تكلفة الإنشاء، فلا نتوقع أبدا عند انخفاض سعر الحديد بقيمة 10%أو أكثر أن يؤثر بنسبة كبيرة في سعر بيع المتر المسطح.

 

إن السوق العقاري المصري له آليات خاصة ومختلفة فإن المطور يتعامل مع مشتري الوحدات كممول رئيسي للمشروعات فغالبا لا يملك المطور الأموال اللازمة لبناء المشروع ومع ارتفاع الفائدة وتعقيدات قروض البنوك يلجأ المطور للبيع مبكرا وعلي الرسومات لتمويل المشروع وفي المقابل يضمن المشتري تثبيت سعر العقار للتحوط من التضخم وحماية مدخراته وايضا مقابل أقساط محددة علي مدد طويلة، ولذلك إن تخفيض الاسعار قد يضر بالمشتري الذي يريد أن يحافظ علي قيمة رأس ماله فإذا حدث أي انخفاض لأسعار الوحدات في المشروعات الجديدة قد يعني خسارة كبيرة لفئه من المستثمرين الذين يقودون القطاع العقاري، ان الانخفاض في الأسعار قد يؤدي الي خروج فئات كثيره من السوق-ودخول اخرين- وتعثر بعض المطورين واحجام كثير من المشترين عن الشراء في المشروعات الجديدة انتظارا لمزيد من الانخفاض، مما يهدد بحدوث تباطؤ في السوق العقاري وبالتالي ليس في مصلحة جميع اطراف عملية التطوير العقاري تخفيض الأسعار مما سيزيد من قوة مقاومة السوق لاي عملية تهدف الي خفض الأسعار.

 

السوق العقاري المصري كاي سوق له توقيتات ومواسم ترتفع فيها المبيعات نتيجة ظروف محلية او دولية وقد نري هذا الصيف (صيف ٢٠٢٤) موجات من ارتفاع الأسعار علي عكس ما هو متوقع حيث سنري ازدياد في الطلب علي وحدات الساحل الشمالي مدفوعة بدخول الامارات كشريك في مشروع رأس الحكمة مما سيعزز مناخ التفاؤل ناحية الساحل الشمالي مع التوقعات بحدوث نهضة في النطاق الواقع من بعد مدينة العلمين الي مرسي مطروح، كذلك من المتوقع حدوث موجات من الشراء من المصريين في الخارج بعد الانخفاض الحاد للجنية المصري خلال الفترات السابقة وعزوفهم عن تحويل الأموال بالطرق الرسمية بينما سيحدث توجه لشراء أصول عقارية، مما سيؤدي بصورة واضحة الي عدم انخفاض الأسعار بل من المتوقع زيادتها بصورة كبيرة في موسم الصيف.

 

بينما قد يعاني السوق العقاري من تقلبات وعدم استقرار واحتمالات تعثر بعض المطورين نتيجة التضخم فإن اليات السوق العقاري المصري قد لا تسمح بتذبذبات للأسعار على أي مدي قصير كانعكاس لانخفاض سعر الدولار أو الذهب بينما قد يقل معدل زيادة الاسعار في المدي القصير انتظارا لإجراءات اقتصادية أكثر استدامة تضمن ثبات سعري طويل الأمد للدولار وليس فقط مسكنات مؤقتة قد يعود الدولار مره اخري للزيادة بعد زوال أثرها مما قد يجعل السوق يمر بمرحلة (wait and see).

 

عبر الازمات العقارية والاقتصادية المتعددة التي مر بها العالم والعديد من الظروف الحرجة التي مرت بها مصر ظل السوق العقاري المصري محتفظا بقدر مناسب من التماسك والمقاومة مستندا ومعتمدا علي عنصر الطلب الحقيقي الغير مسبوق في العالم والذي يشكل الجدار الحامي للسوق المصري من أي انهيارات ضخمة ولكن ما نخشاه هو انهيار هذا الجدار تحت تأثير الضربات المتعددة للاقتصاد اذا ظل بدون تدعيم عن طريق إعادة هيكلة السوق وتجديد الاطار الحاكم للسوق وتوسيع المجال العقاري لاستيعاب الكثير من الأطراف المتشوقة لدخول السوق مما يشكل تعدد لطبقات الجدار الحامي للسوق، ان مقومات وامكانيات السوق العقاري المصري اكبر من الواقع العمراني في مصر ان سوق بحجم الطلب الموجود والعجز الكبير بين العرض والطلب السنوي بالإضافة للاحتياجات المتراكمة لهي أسباب كافية للسوق العقاري المصري كي يصبح من اكبر الأسواق الجاذبة للاستثمار في الشرق الأوسط، علينا العمل علي تحويل العقار من سلعة الي خدمة، من سوق عقاري الي سوق إسكان فقط اذا اعيد تنظيم السوق بصورة حديثة ومستقبلية متطورة قد لا تجعل الحديث عن سعر الوحدة هو الشغل الشاغل للناس ولكن اختيار الوحدة ذات الخدمات او الجودة او المعايير الصحية والحديث عن مطورين جاءوا من انحاء العالم للحصول علي فرصه استثمارية في سوق الإسكان المصري.

الرابط المختصر
آخر الأخبار