كلف الرئيس عبد الفتاح السيسي الدكتور مصطفى مدبولي بتشكيل الحكومة الجديدة، وقد تضمن خطاب التكليف مواصلة مسار الإصلاح الاقتصادي مع التركيز على جذب وزيادة الاستثمارات الأجنبية وتشجيع نمو القطاع الخاص في مصر.
وهنا يتضح التأثير المتبادل بين جذب الاستثمارات الأجنبية ونمو القطاع الخاص في مصر ، حيث يؤدي النجاح في أحدهما بشكل كبير إلى تحقيق أهداف سريعة في الآخر.
وأقصد هنا بالسبب وهو تشجيع نمو القطاع الخاص في مصر بشركاته ذات رؤوس الأموال (المصرية أو الأجنبية ) وتحسين بيئة الأعمال فيها خاصة فيما يتعلق بسياسات المنافسة وضمانات الوصول إلى نظام قضائي ناجز في النزاعات التجارية والتي ستؤدي حتما إلى زيادة الثقة لدى المستثمر الأجنبي في بيئة الأعمال في مصر مما يدفعه باتخاذ قراره الاستثماري والدخول في السوق المصري.
وإن معدلات نمو الاستثمار الأجنبي في أي دولة لا يتحقق فقط بجهود الترويج للاستثمار، لكنه وبشكل أساسي يعتمد على تقييم المجتمع الدولي ومؤسسات التقييم الدولية خاصة الموضوعية منها لبيئة الاستثمار في هذه الدولة، وتجارب القطاع الخاص فيها.
وتقوم عدد من مؤسسات الدولة بالترويج للاستثمار الأجنبي سواء كاختصاص أصيل لها أو دور من الأدوار المنوطة بها، وعلى رأسها الهيئة العامة للاستثمار، السفارات المصرية ومكاتب التمثيل التجاري بالخارج، اتحاد الصناعات المصرية، ومجالس الأعمال المشتركة، وكلها مؤسسات تبذل جهودا حثيثة في هذا الملف مع قيامها دائما بتطوير أدواتها وفقا لاحتياجات المرحلة، وقد نجحت هذه المؤسسات في مراحل كثيرة في تحقيق زيادة كبيرة في معدل نمو الاستثمار الأجنبي في مصر.
لكن في المقابل، وفي الواقع العملي تواجه أحيانا وعلى مدار عقود جهود الترويج لهذه المؤسسات تحديا هاما يحول دون وصولها لتحقيق جزءا من أهدافها على الرغم من امتلاك مصر المقومات الاقتصادية لتكون أكثر دولة في المنطقة مؤهلة لجذب الاستثمارات الاجنبية، وهذا التحدي يتجسد في بعض التشوهات الهيكلية في بيئة الأعمال.
في الواقع العملي، تقوم مؤسسات الترويج للاستثمار بتنفيذ برامج الترويج الخاصة بها والتي تحتاج لجهود متراكمة خاصة في الأسواق الجديدة الغير تقليدية في تصدير الاستثمار إلى مصر ( علما بأن هذه المؤسسات تمتلك الآن كوادر من أفضل الكوادر التي يمكن أن تقوم بهذا الدور ولا تقل عن كوادر القطاع الخاص والتي تقوم بأدوار مشابهة وهو عكس ما يتردد أحيانا عن ضعف كفاءة الكوادر الحكومية في هذا المجال ) وتقوم من خلال هذه البرامج بتحفيز المستثمر الأجنبي المحتمل بالقيام بدراسات الجدوى المبنية لاتخاذ قراره الاستثماري للدخول للسوق المصري.
يقوم المستثمر المحتمل بالتوازي مع إعداد دراسات الجدوى المبدئية بالتواصل مع رجال الأعمال المصريين والأجانب المتواجدين بالفعل في السوق المصري للتعرف بشكل واقعي عن انطباعاتهم عن السوق، أداء مشروعاتهم فيه، التحديات والفرص داخله، عدالة المنافسة من ناحية هيكلة السوق، سرعة التقاضي في النزاعات التجارية، القدرة على التنبؤ بسياسته النقدية وشفافية سياساته المالية.
وإما أن تأتي آراء القطاع الخاص المصري في ردهم على هذه الاسئلة المنطقية لأي مستثمر محتمل جديد ووفقا لتجاربهم في السوق في الاتجاه الذي يخدم أهداف حملات الترويج للاستثمار التي تم الاستثمار فيها من وقت وجهد و موارد مالية، أو للأسف تكون في عكس الاتجاه.
ومن هنا يأتي أهمية الدور الذي يمكن أن تقوم به الحكومة التي ستشكل خلال أيام خاصة بعد التفاؤل الحذر الذي ينظر به المجتمع الاقتصادي الدولي لفرص الاستثمار في مصر عقب القرارات الإيجابية التي تم اتخاذها بشأن سعر الصرف والسياسات النقدية.
إن القطاع الخاص المصري وتحديدا القطاع الصناعي منه يجب أن يكون البوصلة التي تحدد وجهة السياسات الاقتصادية للحكومة الجديدة، خاصة فيما يتعلق بالسياسات المالية المحفزة للاستثمار والسياسات النقدية الشفافة، والتوسع في برامج دعم الصادرات بكل أنواعها، وتفادي تأثر القطاع الصناعي بتحديات موارد وأسعار الطاقة.
إن تحسين بيئة الأعمال في مصر ومساندة القطاع الخاص المصري في هذه المرحلة من أجل رفع مساهمته في الدخل القومي الإجمالي هو الاداة الأكثر فعالية لجذب مزيدا من الاستثمارات الأجنبية.*