محمد مصطفى القاضي يكتب: أزمة طاقة كهربائية أم أزمة طاقة بشرية
كان يقترب من الستين ربيعًا يتمتع بصحه جيده حين شعر ببعض الآم في الصدر وهو يمارس رياضته المفضلة، فذهب إلي طبيب القلب الذي لم يبذل مجهودًا لتشخيص الحالة فالأعراض واضحة وأجذم إنها مشكله في القلب ويجب اجراء جراحه سريعة، ولم يمهل لصديقنا دقائق حتي يستشير آخرين أو يدبر تمويل العملية، “سوف نأخذ قرضا ونسدده بعدين” هكذا أكد الطبيب، وتم اجراء العملية المعقدة بنجاح وكانت المفاجأة ان صديقنا ما زال يعاني من نفس الاعراض ،وبعد فترات من الانتظار والاوجاع والمعاناة تم عمل كونسلتو من عدة تخصصات واسفر هذا الفحص عن مفاجأة، صديقنا لم يكن في حاجة الي عمليه، هو ليس مريض قلب بل مريض قولون وتعقيدات هذا المرض تتشابه مع بعض اعراض أمراض القلب، دفع تكلفة العملية، استدان بفوائد، اجري عمليه قد لا يكون في حاجه لها الان ولكن قد يحتاجها بعد عشر سنوات، تأخر في تنفيذ الحل الصحيح فزادت كلفته، هذه هي ضريبة التشخيص الخاطئ للمشكلة.
أستطيع ان اري بوضوح ان العديد من المشاكل التي نعاني منها تنتج من التشخيص غير الدقيق والمتسرع والغير متخصص للمشكلات والذي بدورة يؤدي الي سلسه من الأفعال في اتجاه غير صحيح ثم نكتشف تفاقم مشكلة جديده مع عدم حل المشكلة القديمة التي تتراكم وتزداد تكلفة حلها البسيط.
“يا فندم يوجد مشكلة في عدد محطات الكهرباء”، ماذا سيكون ردك كمسئول! فلنبني محطات سريعا. هكذا يبدو الحل السريع والمنطقي بينما التعريف الصحيح للأزمة انها مشكلة طاقة وادارتها وليست قلة عدد محطات، اذا كننا نمتلك الادراك لتشخيص المشكلة بطريقة اكثر شموليه من مشكلة عدد محطات الكهرباء او انتاجنا من الميجاوات كننا سنفكر بشكل مختلف تماما ونتجه لحلول اخري قد يكون من ضمنها وضع خطة لبناء المحطات ذاتها ولكن علي مدار عشرين سنه بطرق تمويل لا تكلف الدولة شيئا.
نحن لا نحب التنظير والكلام النظري من فضلك إذا انتظرنا سنوات حتى ينتهي الخبراء من الدراسة كان من الممكن ان لا نبني شيئا وكنا سنعاني اليوم من انقطاع التيار عن المنازل والمصانع بسبب عدم كفاية الإنتاج، جميل، والي ماذا انتهينا الان! نفس النتيجة! للأسف لا بل اسواء، نحن وصلنا الي نفس النتيجة مضافاً اليها ديون انشاء المحطات وفوائدها زائد تأخرنا سنوات عن الحلول المنطقية فزادت تكلفتها وعلينا ان نبدأ من جديد، وبالمناسبة لم نكن نحتاج للانتظار سنوات حتى ننتهي من الدراسات، فالعالم قد سبقنا بمراحل وكان علينا ان نبذء من حيث انتهي الاخرون هذا غير العديد من الدراسات المتقدمة في الجامعات المصرية وغيرها من المراكز البحثية والشركات المتخصصة والعلماء المصريين في الداخل والخارج.
أن التعريف الصحيح للمشكلة كأزمه في الطاقة كان سيدفعنا الي رؤية استراتيجية تبدأ أولا بتحليل عناصر الاستهلاك، فقطاع المنازل الذي يزيد عن ثلث الاستهلاك السنوي يمكن ان نري ماذا فعل العالم لتقليل هذا الاستهلاك وماهي النسب المتوقعة لهذا الخفض وكم تكلفته، وماهي العناصر المؤثرة هل هي الإنارة ام التبريد والتسخين بمعني اخر التكيفات والسخانات، كم كان سيكلف الدولة اذا الغت الجمارك والضرائب علي جميع منتجات ومستلزمات السخانات الشمسية المنزلية، وتقسيطها بل ودعمها، فتح فرص للشركات ومنحهم تسهيلات، اعتقد الإجابة واضحة. وماذا عن تكلفة التبريد في المنازل والمنشآت التجارية مولات ومباني إدارية وغيرهم، كم كان سيساهم زراعة الأشجار في تقليل الحرارة ولو درجة واحدة في المناطق السكنية وبالتالي تقليل تكلفة التبريد، لن اتحدث عن استخدام مواد بناء ذات كفائه في العزل الحراري، وطرق بناء تقلل درجة الحرارة الداخلية.
تتملكني مشاعر متشابكة من الدهشة والإحباط و التفاؤل من بعض الاوضاع في بلدنا، كنت أتوقع ان تصبح مصر مركزا لإنتاج الطاقة الشمسية في العالم، ليس لوجود الشمس كمصدر للطاقة فالعديد من الدول الأوروبية ذات نسب سطوع شمسي زهيدة تنتج نسب متقدمة وعالية من الطاقة الشمسية ولكن بسبب الطاقة البشرية التي اذا وجهتها السياسات الحكومية نحو أبحاث الطاقة الشمسية وتطويرها، مشروعات التخرج، أبحاث الماجيستير والدكتوراه، شركات تمول هذه الأبحاث مقابل حوافز ضريبيه لها، بعثات خارجية لدراسة انتاج الالواح الشمسية باقل تكلفة، جيل كامل يعمل علي تطوير البطاريات وتحسين كفاءة أنظمة انتاج الطاقة الشمسية، خمس سنوات فقط من العمل الجاد في هذا المجال كانت كفيلة بتحويل مصر الي مركز حقيقي لإنتاج الطاقة الشمسية وليس استيراد الواح شمسية وتركيبها تحت عنوان اكبر محطة طاقة شمسية.
لا يمكن اختزال الحلول المتاحة في عدة أسطر كما لا يمكن اختزال مشكلة الكهرباء في انشاء المحطات او توفير الغاز، دائما يغلبني الشعور بالأمل انه يوما ما سنستعين بالمتخصصين ونقدر العلم ونعطي الدراسات والتحليلات العلمية المنطقية القيمة الحقيقة لها، اعتقد ان حل مشكلة الطاقة يكمن في استغلال الطاقة البشرية المصرية وليست في توفير الغاز.