يشهد العالم حاليًا تحولًا مهمًا في السياسات الضريبية العالمية من خلال الجهود المستمرة التي تبذلها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD).
تسعى هذه المنظمة إلى خلق بيئة ضريبية عادلة وتنافسية على المستوى العالمي، من خلال معالجة مشكلة تآكل القاعدة الضريبية وتحويل الأرباح. إحدى الركائز الأساسية لهذه الجهود هي “الركيزة الثانية”، التي تم تقديمها كجزء من مبادرات مكافحة التهرب الضريبي.
ما هي الركيزة الثانية؟
تتمثل الركيزة الثانية في وضع حد أدنى عالمي للضرائب بنسبة 15% على الشركات المتعددة الجنسيات.
يهدف هذا إلى ضمان أن تدفع تلك الشركات حصة عادلة من الضرائب بغض النظر عن البلد الذي تعمل فيه. هذا الحد الأدنى يساعد في التصدي للتفاوتات الضريبية بين البلدان، والتي عادةً ما تؤدي إلى ممارسات التخطيط الضريبي العدوانية، حيث تسعى الشركات إلى تحويل أرباحها نحو المناطق ذات الضرائب المنخفضة.
تأثير الركيزة الثانية على الشركات والحكومات
تسعى الركيزة الثانية إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية اهمها مكافحة التهرب الضريبي من خلال الحد الأدنى العالمي، تقل فرص الشركات في الاستفادة من الفجوات الضريبية بين البلدان.
بالإضافة الي استقرار الإيرادات الضريبية مما يُعزز النظام الاستقرار المالي للحكومات، خصوصًا في الاقتصادات النامية التي تواجه تحديات في فرض الضرائب على الشركات الكبيرة.
فضلا عن خلق فرص متكافئة حيث يتيح النظام الجديد منافسة أكثر عدالة بين الشركات على مستوى العالم.
وأبدت الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا دعمها الكامل لهذه المبادرة.
فهذه الدول تدرك جيدًا أن إطارًا ضريبيًا متسقًا وموحدًا يساعد في منع تآكل قاعدتها الضريبية، ويمنع تحول الأرباح إلى خارج حدودها. الولايات المتحدة، بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي بقيادة ألمانيا وفرنسا، تسعى لمواءمة سياساتها الضريبية مع توصيات منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.
وترى هذه الدول أن هذه الإصلاحات ضرورية لضمان حصة أكثر عدالة من إيرادات الضرائب العالمية.
ورغم هذا الدعم الكبير، تواجه هذه الدول تحديًا كبيرًا يتمثل في تنفيذ هذه القواعد دون الإضرار بقدرتها التنافسية.
فرفع معدلات الضرائب قد يدفع بعض الشركات الكبرى إلى إعادة تقييم مواقع استثماراتها، وهو ما قد يؤثر سلبًا على بعض الاقتصادات المتقدمة.
وإلى جانب الحد من التهرب الضريبي، تُسهم الركيزة الثانية في تعزيز الشفافية الضريبية، مما يضمن حماية أفضل للقواعد الضريبية، وخاصة في الاقتصادات النامية التي غالبًا ما تكون الأكثر تضررًا من التهرب الضريبي.
وبهذا، يُعد النظام الجديد خطوة مهمة نحو بناء نظام ضريبي عالمي أكثر توازنًا وعدالة.
في الختام، يمكن القول إن الركيزة الثانية لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية تُعتبر خطوة حاسمة نحو تحقيق العدالة الضريبية على مستوى العالم، مما يُعزز القدرة التنافسية للاقتصادات ويخلق بيئة أكثر شفافية واستدامة للجميع.