الدكتور عبدالرحمن طه يكتب: التعريف بالذكاء الاصطناعي و أنواعه
عزيزي القارئ، عندما نتحدث عن الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence – AI)، فإننا ندخل عالمًا متشابكًا بين العلم والتكنولوجيا، حيث تسعى الآلات لفهم البشر وتطوير قدرات تحاكي ذكاءهم. هذا المجال، الذي بدأ بفكرة خيالية، أصبح الآن حجر الأساس للثورة الصناعية الرابعة (Fourth Industrial Revolution).
الذكاء الاصطناعي يمكن وصفه ببساطة على أنه قدرة الآلات على التعلم (Machine Learning) واتخاذ القرارات بناءً على البيانات، تمامًا كما يفعل البشر، ولكن بسرعة ودقة تفوق خيالنا. اليوم، يتم استخدامه في كل شيء تقريبًا، من التوصيات الذكية التي تظهر لك على Netflix أو Amazon، إلى الأنظمة التي تتنبأ بالأمراض من خلال تحليل البيانات الضخمة (Big Data).
تُظهر الدراسات الحديثة أن سوق الذكاء الاصطناعي يحقق نموًا هائلًا، حيث قُدرت قيمته بـ207 مليار دولار في 2023، مع توقعات بأن يتجاوز حاجز الـ1.8 تريليون دولار بحلول 2030. هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات، بل هي انعكاس لحجم الاعتماد المتزايد على هذه التقنية في كل المجالات، من الطب إلى التعليم، ومن التجارة الإلكترونية إلى الأمن السيبراني.
لكن، يا عزيزي، الذكاء الاصطناعي ليس نوعًا واحدًا. على سبيل المثال، الأنظمة التي تعتمد عليها اليوم، مثل Siri وGoogle Assistant، تُعرف بالذكاء الاصطناعي الضيق (Narrow AI)، وهو نوع متخصص في أداء مهمة واحدة بدقة، دون القدرة على التعامل مع مهام أخرى. أما الذكاء الاصطناعي العام (General AI)، الذي يعرف اختصارًا بـAGI، فهو الهدف الذي يسعى العلماء لتحقيقه، حيث يمكن للآلات أن تفكر وتتخذ قرارات في مجالات متنوعة بنفس مرونة الإنسان. وهناك أيضًا الذكاء الاصطناعي الفائق (Super AI)، الذي يظل حتى الآن في مرحلة الخيال العلمي، ولكن إن تحقق يومًا ما، فقد يتجاوز ذكاء البشر بمراحل، مما يثير العديد من الأسئلة الأخلاقية حول السيطرة على هذه الأنظمة. وما يميز الذكاء الاصطناعي عن باقي التقنيات هو اعتماده على مفاهيم مثل الشبكات العصبية (Neural Networks)، التي تحاكي طريقة عمل الدماغ البشري، والتعلم العميق (Deep Learning)، الذي يُستخدم في تطبيقات متقدمة مثل التعرف على الصور (Image Recognition) والصوت (Voice Recognition). على سبيل المثال، تمكنت Google من تطوير نظام يعتمد على التعلم العميق لتشخيص أمراض العيون بدقة تصل إلى 99.5%، وهو إنجاز يُظهر الإمكانات الهائلة لهذه التكنولوجيا.
ومع ذلك، علينا أن ندرك أن استخدام الذكاء الاصطناعي يتطلب مسؤولية كبيرة. هل يمكننا الاعتماد على هذه الأنظمة بشكل كامل؟ هل نحن مستعدون للتعامل مع فقدان بعض الوظائف التقليدية نتيجة الأتمتة؟ وفقًا لتقرير صادر عن McKinsey، فإن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يرفع الإنتاجية العالمية بنسبة تصل إلى 40%، لكنه في المقابل قد يسبب اختفاء ما يقرب من 400 مليون وظيفة بحلول عام 2030، مما يجعلنا أمام تحدٍ حقيقي لإعادة هيكلة سوق العمل.
عزيزي القارئ، إن الحديث عن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد استعراض لتقنية جديدة، بل هو دعوة لفهم أعمق لدورنا في هذا العالم المتغير. علينا أن نتبنى هذه الثورة بحكمة، نستفيد من الفرص التي تقدمها، ونعمل على تقليل مخاطرها. المستقبل الذي نصنعه اليوم يعتمد بشكل كبير على كيفية تعاملنا مع هذه القوة التكنولوجية.
وأخيرًا وليس آخرًا، الذكاء الاصطناعي ليس فقط أداة لتحسين حياتنا، بل فرصة لإعادة تعريف ما يعنيه أن تكون إنسانًا في عصر الآلات. دعنا نعمل معًا لبناء مستقبل مشرق، حيث تكون التكنولوجيا في خدمة الإنسانية، وليس العكس.
يتبع…