مع تزايد حالة عدم اليقين بشأن الاقتصاد العالمي وخطط الرسوم الجمركية التي يتبناها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والتي أدت إلى موجة بيع في سوق الأسهم الأمريكية، اخترق الذهب حاجز 3000 دولار للأوقية (الأونصة)، اليوم، للمرة الأولى في تاريخه، مما عزز ارتفاعه القياسي، ودفعته التوترات التجارية المتصاعدة والتوقعات بتخفيض أسعار الفائدة الأمريكية ليصبح ملاذاً آمناً للمستثمرين.
*ارتفاع تاريخي*
وسجل الذهب الفوري ارتفاعاً بنسبة 0.4 في المائة ليصل إلى 3000.39 دولار للأوقية، محققاً 13 أعلى مستوى له على الإطلاق في عام 2025 حتى الآن، بزيادة تزيد عن 14 في المائة. وارتفعت العقود الآجلة للذهب في الولايات المتحدة أيضاً 0.7 في المائة إلى 3012.90 دولار، وفق “رويترز”. وهو ما يعزز دوره التاريخي كمخزن للقيمة في أوقات الأزمات، وكمعيار لقياس الخوف في الأسواق .
وعلى مدار الربع قرن الماضي، ارتفع سعر الذهب بمقدار عشرة أضعاف، متجاوزاً حتى أداء مؤشر “إس آند بي 500” للأسهم الأمريكية، الذي تضاعف أربع مرات فقط خلال الفترة نفسها.
مع استعداد المتداولين لتطبيق الرسوم الجمركية، قفزت أسعار الذهب في الولايات المتحدة فوق المعايير الدولية الأخرى، مما دفع التجار إلى نقل كميات ضخمة من السبائك إلى أمريكا قبل دخول الرسوم الجديدة حيز التنفيذ.
ومنذ يوم انتخابات الرئاسة الأمريكية (5 نوفمبر 2024) وحتى 12 مارس الجاري، تدفقت أكثر من 23 مليون أوقية من الذهب، بقيمة تقارب 70 مليار دولار، إلى مستودعات بورصة “كومكس” للعقود المستقبلية في نيويورك. وكانت هذه التدفقات الضخمة سبباً رئيسياً في دفع العجز التجاري الأمريكي إلى مستوى قياسي في يناير
*توقعات بارتفاع أعلى*
في مذكرة موجهة إلى العملاء الأسبوع الجاري، قال كبير محللي السلع في «بي إن بي باريبا»، ديفيد ويلسون، إن البنك يتوقع أن تخترق أسعار الذهب حاجز 3,000 دولار للأونصة للمرة الأولى، وأن تصل في نهاية المطاف إلى 3,100 دولار خلال الأشهر المقبلة. وارتفعت أسعار الذهب قليلاً اليوم الخميس إلى 2939.46 دولار للأونصة.
كما رفع محللو بنك “بي إن بي باريبا” متوسط توقعاتهم لأسعار الذهب في عام 2025 بنسبة 8%، مع ترجيح تجاوز الأسعار 3,100 دولار للأوقية خلال الربع الثاني من العام، مشيرين إلى أن المخاوف بشأن الرسوم الجمركية أدت إلى “تشديد كبير” في سوق الذهب الفعلي.
*الذهب والأزمات*
وغالباً ما ترتبط قفزات أسعار الذهب بالضغوط الاقتصادية والسياسية العالمية. فبعد الأزمة المالية العالمية، تجاوزت الأسعار 1000 دولار للأوقية، بينما تخطت حاجز 2000 دولار خلال جائحة كورونا. وبعد انخفاضها إلى نحو 1600 دولار بعد الوباء، عاودت الصعود منذ عام 2023 مدفوعة بمشتريات البنوك المركزية التي سعت إلى تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي، وسط مخاوف من استخدامه كأداة ضغط سياسي.
وفي أوائل عام 2024، تسارعت وتيرة ارتفاع الأسعار مع تزايد الطلب على الذهب في الصين، حيث تزايد القلق بشأن تباطؤ الاقتصاد. كما ازدادت وتيرة صعوده بعد الانتخابات الأمريكية مع امتصاص الأسواق لتداعيات السياسات التجارية الجديدة للإدارة الأمريكية.
*عوامل الارتفاع*
جاء ارتفاع الذهب هذه المرة رغم العوامل التي كانت تعوق صعوده عادةً، مثل ارتفاع أسعار الفائدة وقوة الدولار الأمريكي. فعندما تقدم السندات أو الودائع المصرفية عوائد مجزية، يصبح الذهب، الذي لا يولد فوائد، أقل جاذبية. كما أن ارتفاع الدولار عادة ما يؤدي إلى ضغط بيعي على المعدن النفيس، كونه العملة الرئيسية لشراء وبيع الذهب.
إلا أن هذه العوامل نفسها جذبت مستثمرين جدداً إلى السوق. ففي الصين، أدى تراجع اليوان أمام الدولار إلى تدفق المستثمرين نحو الذهب، كما دفعت معدلات التضخم المرتفعة عالمياً المزيد من المستثمرين إلى اعتباره مخزناً جيداً للقيمة.
*الذهب وسياسات ترامب*
لكن العامل الأبرز في ارتفاع الذهب عام 2025 كان السياسات التجارية القوية وغير المتوقعة للإدارة الأمريكية الجديدة، حيث فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسوماً جمركية على الواردات من كندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي، كما فرض ضرائب على البضائع الصينية وجميع واردات الصلب والألومنيوم. وبعد أن رد الاتحاد الأوروبي برسوم مضادة، أشارت واشنطن إلى استعدادها لتصعيد الحرب التجارية المتصاعدة.
بالإضافة إلى ذلك، أثارت الإدارة الأمريكية قلق الأسواق من خلال التهديد بإعادة تشكيل النظام العالمي. وألمح ترامب إلى استعداد بلاده لاستخدام سياسة الإكراه الاقتصادي أو حتى القوة للسيطرة على جرينلاند وقناة بنما، كما طرح خطة مثيرة للجدل لإعادة إعمار غزة.
ومنذ الإعلان المفاجئ في فبراير الماضي عن بدء مفاوضات مع روسيا بشأن مستقبل أوكرانيا، بدأت الإدارة الأمريكية في إعادة النظر في الضمانات الأمنية التي كانت توفرها لأوروبا لعقود.