عمرو فتوح في حوار خاص لـ«القرار المصري»: الصينيون يتجهون إلى مصر كقاعدة صناعية للانطلاق نحو السوق الأفريقي.. الرسوم الجمركية فرصة ذهبية لاستقطاب صناعات تكميلية صينية إلى مصر.. لا أكتفي بمراقبة الأزمات بل أستعد للخروج منها أولا وكورونا أكبر مثال.. نملك كل مقومات النجاح التصديري لكن نفتقر إلى لغة موحدة.. على «المالية» التخلي عن الرسوم على خطوط الإنتاج

قال عمرو فتوح نائب رئيس لجنة الصناعة بجمعية رجال الأعمال المصريين ورئيس شركة بولي بلاست، المشاركة في معرض كانتون الدولي بالصين، إن شركته تشارك في المعرض منذ أكثر من 10 سنوات بانتظام خلال دورتيه السنويتين، مؤكداً أن «كانتون» يُعد أكبر معرض تجاري في العالم من حيث عدد الشركات العارضة والزوار، ويستقطب وفودًا من مختلف أنحاء العالم.

وأوضح في حوار خاص مع الكاتب الصحفي سعيد الأطروش رئيس تحرير القرار المصري، أن شركته اختارت المشاركة هذا العام بصفة فردية نظراً لعدم وجود جناح مصري موحد في هذه الدورة، مضيفاً أنه رغم غياب الدعم، حرصنا على التواجد لأننا نؤمن بأهمية الترويج لمنتجاتنا في قلب سوق الصناعة العالمية.

وقال إننا نفكر خارج الصندوق ونؤمن بقدرتنا على المنافسة سواء من ناحية الجودة أو السعر، وهدفنا أن نظهر للعالم أن الصناعة المصرية قائمة وتستطيع أن تحقق مكانة قوية.

التعريفات الجمركية الأمريكية فرصة لمصر 

وأشار إلى أن الظروف العالمية، وعلى رأسها الحرب التجارية والتعريفات الجمركية الأمريكية، التي فرضتها واشنطن على بكين، دفعت الشركات الصينية لإعادة النظر في استراتيجياتها، وفتح أسواق جديدة، فضلا عن البحث عن أسواق بديلة أو تكميلية لتعويض الحصص السوقية التي فقدوها قائلا: «الصينيون يتعاملون بواقعية ويركزون على الحلول العملية، وهو ما يجعل من هذا المعرض فرصة مثالية لفتح قنوات تصدير جديدة، وهناك اهتمامًا متزايدًا من جانب عدد كبير من المستثمرين الصينيين بالاستثمار في مصر».

وتابع بالنسبة للصينيين، فإن السوق الأمريكي أصبح مثل أي سوق آخر، وإذا واجهوا مشكلة فيه، يتجهون إلى فتح سوق جديد لتعويض الخسائر، لافتا إلى أن الرسوم الجمركية تمثل فرصة مهمة لمصر لاستقطاب الصناعات التكميلية الصينية، ونقل خطوط إنتاج كاملة إلى السوق المصري.

وأشار إلى وجود رغبة حقيقية في التقرب من السوق المصري، وفتح مشروعات صناعية يمكن أن تنطلق من مصر إلى أسواق أخرى حول العالم.

وأضاف أنه لمس جدية كبيرة من المستثمرين الصينيين في الاستفسار عن مناخ الاستثمار في مصر، والشروط، والتكاليف، وحتى البنية التحتية، حيث يرون «مصر» نقطة انطلاق مثالية نحو أسواق متعددة، خاصة في ظل العلاقات السياسية القوية والتقارب المتزايد بين البلدين.

وأشار إلى أن المستثمر الصيني يعتمد على الكميات الكبيرة والتكنولوجيا المتطورة، لكنه في الوقت نفسه يدرس الأسواق بعناية، ويبحث عن مناطق يمكن أن يتحول فيها إلى مركز صناعي، مضيفًا أن العديد منهم يضع مصر الآن على رأس هذه القائمة.

ودعا إلى استغلال هذه الفرصة التاريخية، قائلاً: «بصفتي رجل صناعة، أتمنى أن نتحرك بشكل منظم وسريع لجذب هذه الاستثمارات، العالم يتغير، وإذا لم نغتنم هذه اللحظة، قد نفقد موقعًا مهمًا في سلاسل الإمداد العالمية».

وأوضح أن العالم يواجه أزمة اقتصادية ممتدة بدأت مع جائحة كورونا، وأثّرت على سلاسل التوريد وأسعار المواد الخام، في ظل هذا السياق، يصبح التصدير وإنشاء صناعات جديدة بمثابة رئة لإنعاش الاقتصاد المصري وتقليل فاتورة الواردات وتخفيف الضغط على العملة الأجنبية.

روشتة صناعية عاجلة 

وقدم عمرو فتوح «روشتة سريعة» للنهوض بالصناعة، تبدأ بإنشاء مصانع للمواد الخام والصناعات التكميلية، مع حصر دقيق للمنتجات التي يتم استيرادها حاليًا من الخارج، والعمل على تصنيع بدائلها محليًا.

ولفت إلى إنه بدلاً من استيراد المنتجات الوسيطة من الخارج، يمكننا تصنيعها محليًا، مما يرفع من نسبة المكوّن المحلي في المنتج النهائي، ويخفض التكاليف، ويزيد قدرتنا التنافسية على التصدير إلى أسواق أخرى.

وشدد على أهمية استغلال حالة التقارب القوي بين مصر والصين، لنقل مصانع كاملة إلى مصر، خاصة في الصناعات التكميلية وصناعة المواد الخام، قائلًا: «الصين مستعدة للتعاون، والتكنولوجيا متاحة، ونقل هذه الصناعات إلى مصر سيخدم السوق المحلي ويحوّل مصر إلى مركز تصديري للمنطقة بأكملها».

وطالب بضرورة التوسع في فتح أسواق تصديرية جديدة، ولكن ذلك يتطلب خفض تكلفة المنتج المحلي، مؤكدًا أن المنتج المصري حالياً مُحمّل بأعباء كبيرة تؤثر على قدرته التنافسية عالميًا.

معوقات فتح أسواق تصديرية جديدة 

وقال: «لا يمكن الحديث عن التصدير دون مراجعة كلفة الإنتاج، اليوم المنتج المصري يواجه أعباء متعددة، من ارتفاع أسعار الفائدة، إلى زيادات أسعار الطاقة، مرورًا بمعوقات بيروقراطية تتطلب حلولاً جذرية وسريعة».

وتابع إذا أردت فتح أسواقًا تصديرية جديدة، فلا بد أن أراجع كل عنصر في فاتورة المنتج المصري، وأعمل بالتوازي على إزالة العقبات الإدارية والتنظيمية.

مشاركة رجال الصناعة في صياغة القرارات الاقتصادية 

وطالب بضرورة أن يكون رجال الصناعة شركاء فعليين في صياغة القرارات الاقتصادية، قائلاً: يجب أن يكون لنا تمثيل مباشر في المجموعة الاقتصادية، لأننا نمتلك الرؤية الميدانية والاحتكاك اليومي بالتحديات، ونستطيع طرح حلول عملية وقابلة للتنفيذ.

ودعا إلى اجتماع موحّد تُشارك فيه جميع الوزارات والجهات المعنية بالشأن الاقتصادي، على غرار اللقاء الذي عقده الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء مؤخرًا مع عدد من رجال الأعمال؛ لطرح التحديات الحقيقية من جانب رجال الصناعة، فضلا عن حضور وزراء ومسؤولون يمكنهم اتخاذ قرارات فورية أو الاتفاق على خطوات تنفيذية محددة؛ لأننا بحاجة إلى قرارات سريعة قابلة للتنفيذ تُترجم إلى إجراءات على أرض الواقع.

فلسفة التعامل مع الأزمات 

وحول فلسفته في التعامل مع الأزمات، قال إن لديه فلسفة خاصة ترتكز على الاستعداد المبكر والعمل على تطوير الذات والمؤسسة، وليس مجرد مراقبة الأحداث وانتظار الحلول، مؤكدًا أن ذلك ما مكّن شركته من تجاوز أزمة كورونا واغتنام فرص التصدير في نهايتها.

وتابع فتوح: «في الأزمات، لا أفضّل البقاء في وضع مراقب، أعمل على نفسي وعلى مصنعي، لأكون من أوائل المتعافين، وربما من أكثر المستفيدين في النهاية، وتجربة جائحة كورونا كانت خير دليل على نجاح هذه الاستراتيجية، فخلال أزمة كورونا، اتخذت مصر قرارات جريئة حافظت على الاقتصاد واستمرار عمل المصانع، في الوقت الذي توقفت فيه مصانع بدول أخرى، استمرت مصانعنا، ومع نهاية الأزمة كنا من أكثر الدول جاهزية للتصدير».

وأكد على أهمية التعلم من الأزمات وتحويلها إلى فرص، حيث رأى أن الاستعداد المبكر هو ما يصنع الفارق في أي أزمة، والأهم أن نعرف كيف نحافظ على الزخم بعدها.

مؤهلات مصر التصديرية 

وحول مؤهلات مصر التصديرية، أوضح عمرو فتوح، أن مصر تمتلك كافة المقومات التي تؤهلها لتكون قوة تصديرية إقليمية، حيث تتمتع بموقع جغرافي متميز، وبنية تحتية صناعية، إلى جانب علاقات دولية قوية، إلا أن ما يعيق تحقيق هذا الهدف هو تشتت الجهود وعدم توحيد الرؤية.

وأشار إلى أنه من المؤسف أن كل جهة تعمل في اتجاه، وكل طرف يعمل منفردًا، نحن بحاجة إلى تناغم كامل، والتحدث بلغة واحدة، وهي لغة التصدير، ونسير وفق برنامج موحد متفق عليه بين الدولة والقطاع الخاص، حيث يعمل الجميع ضمن خطة واحدة، بأهداف وأولويات واضحة.

إشادة بمقترحات مجتمع الأعمال 

وذكر أن الأفكار التي طرحها مجتمع الأعمال خلال جلسات الحوار الوطني نالت إشادة واسعة، وما قيل في الحوار الوطني كان مهمًا، لكن الأهم هو أن نُحفظ هذه التوصيات ونبني عليها، ونترجمها إلى سياسات تُنَفذ سريعًا على الأرض.مطالبًا بترجمتها الآن إلى قرارات تنفيذية، على رأسها إعفاء خطوط الإنتاج من أي رسوم جمركية أو ضريبية، ولو كانت رمزية.

ونوه إلى أنه حين يطالب مجتمع الصناعة، وزارة المالية، بإلغاء أي رسوم على خطوط الإنتاج، حتى لو كانت جنيهًا واحدًا، فإنهم يستندون إلى منطق اقتصادي سليم، لأن ذلك الإجراء سيشجع المستثمرين على ضخ استثمارات حقيقية في التصنيع، بدلًا من استيراد المنتج النهائي.

وقال فتوح: «إذا كنا نريد نقل صناعات من دول كبرى مثل الصين إلى مصر، فلا يصح أن نُحمّل المستثمر أعباء إضافية من اللحظة الأولى، فالمطلوب هو تهيئة بيئة جاذبة تبدأ من الإعفاء الجمركي، وتصل إلى منظومة دعم متكاملة للإنتاج المحلي».

تكلفة إدخال الكهرباء للمصانع عبء على المستثمر 

وانتقد «فتوح»، بعض الإجراءات غير المنطقية التي تُفرض على المستثمرين الصناعيين، مشيرًا إلى أن بعضها يبعث برسائل سلبية قد تُفقد مصر فرصًا حقيقية لجذب مصانع عالمية

وأبدى استياءه من تكلفة إدخال التيار الكهربائي للمصانع واصفا إياها بأنها «أصبحت تمثل عبئاً مرهقاً» لا يشجّع على الاستثمار الصناعي، موضحاً أن بند الكهرباء وحده قد يوازي أحياناً تكلفة إنشاء مصنع كامل، وهو ما يعدّ عائقاً حقيقياً أمام التوسّع في الإنتاج.

وقال إن هذا إنذارًا مهمًا، فهناك مصانع في دول كبرى مثل الصين ترغب في الانتقال خارجها، ومصر من أبرز الدول المؤهلة للاستضافة، لكن كيف أقنع مستثمر بنقل مصنعه، بينما يُطلب منه دفع رسوم تأمين مبالغ فيها فقط لتوصيل التيار الكهربائي؟

وتابع: «نسمع أرقامًا تصل إلى 1200 أو 1500 جنيه للكيلو وات كرسوم تأمين للتيار، وهذا أمر غير مقبول، فالمطلوب هو تسهيل الإجراءات وليس تعقيدها، خاصة في مراحل التشغيل الأولى، فالمستثمر مستعد لتحمل كل تكلفة مشروعه، لكن في المقابل، يجب أن يجد بيئة تُرحب به لا أن تُحمله أعباء غير مفهومة من البداية».

وطالب بلقاء مباشر مع وزير الكهرباء لبحث هذه التكاليف المرتفعة، التي تتضمن بنوداً غير منطقية تحتاج إلى مراجعة عاجلة، لأن المستثمر لا يستطيع البدء في مشروع وهو يواجه أعباء بهذا الحجم قبل أن تبدأ عجلة الإنتاج.

جذب الاستثمارت يتطلب تغيير فلسفة التعامل مع المستثمر 

وأكد أن جذب الاستثمارات الصناعية يتطلب تغييرًا في الفلسفة العامة للتعامل مع المستثمر، مشيرًا إلى أن العائد الحقيقي للدولة لا يتحقق بفرض أعباء مالية من اليوم الأول، بل بتمكين المصنع من التشغيل والنمو.

وشدد على أن العائد الحقيقي لا يتحقق في اللحظة الأولى، بل مع مرور الوقت.

وقال إن السماح للمستثمر بالعمل والإنتاج سيوفر فرص عمل، ويُنشط السوق المحلي، ويُدر ضرائب لاحقًا، مضيفًا أن الكثير من المصانع تبدأ الانطلاق محليا، ثم تتحول خلال عام أو اثنين إلى التصدير، مما يوفّر عملة أجنبية ويدعم الاقتصاد الوطني.

ودعا إلى تغيير النظرة القصيرة المدى، والتركيز على ما يمكن أن يجنيه الاقتصاد على المدى البعيد من دعم الاستثمار والتصنيع.

واعتبر عمرو فتوح، أن العمل الجاد هو السبيل الأنجح لتجاوز الأزمات والتحديات، داعيًا إلى تبنّي فلسفة تجعل من الإنتاج ردًا مباشرًا على كل محاولة للإحباط أو العرقلة.

وقال: «كلما واجهتك أزمة، اعمل أكثر. كلما ضايقك أحد، اعمل أكثر. كلما حاول أحد أن يُحبطك أو يُعيقك، اعمل أكثر».

وأضاف أن هذه ليست مجرد كلمات، بل فلسفة حياة يجب أن يضعها كل شخص نُصب عينيه كل صباح، مشددًا على أن العمل هو المقاومة الحقيقية والطريق الوحيد للتقدّم.

عوائق نمو الاستثمار والصناعة 

وفيما يتعلق أبرز العوائق أمام نمو الاستثمار والصناعة، أكد نائب رئيس لجنة الصناعة بجمعية رجال الأعمال المصريين، أن الفساد والبيروقراطية لا يزالان من أبرز العوائق أمام نمو الاستثمار والصناعة، مشيرًا إلى أن الأجهزة الرقابية، وعلى رأسها هيئة الرقابة الإدارية، تبذل جهدًا واضحًا في مواجهة هذه التحديات، لكنها بحاجة إلى دعم مضاعف.

الرابط المختصر
آخر الأخبار