الضربات الإسرائيلية تطال شريان الطاقة الإيراني.. وأمن الطاقة العالمي يقترب من حافة الانفجار
الضربات تمتد إلى الطاقة.. ملامح حرب اقتصادية جديدة تلوح في الأفق
في تطور نوعي يعكس تحولًا استراتيجيًا في طبيعة المواجهة بين إيران وإسرائيل، استهدفت الضربات الإسرائيلية مؤخرًا منشآت الطاقة الإيرانية، ما اعتبره مراقبون تحولًا من الردع العسكري إلى سياسة “الخنق الاقتصادي”.
لم تقتصر هذه الهجمات تداعياتها على الداخل الإيراني، بل امتدت لتشعل المخاوف في أسواق الطاقة العالمية، التي تعاني أصلًا من هشاشة في الإمدادات وتعقيدات التحول نحو الطاقة النظيفة.
استهداف مباشر لحقل بارس
شملت الضربات المرحلة الرابعة عشرة من حقل بارس الجنوبي، وهو أحد أكبر مصادر الغاز الطبيعي في إيران، ويعد العمود الفقري لتوليد الكهرباء والتدفئة.
تشير تقديرات فنية إلى تراجع إنتاج الغاز بنحو 424 مليون قدم مكعب يوميًا، ما يمثل بين 2% و4% من إجمالي الإنتاج المحلي.
كما طالت الضربات محطة عسلوية القريبة من الحقل، بالإضافة إلى مصفاة عبادان، أكبر مصفاة تكرير في البلاد، ما أدى إلى تعطيل نحو 400 ألف برميل يوميًا، بما يعادل ربع الطاقة التكريرية الإيرانية.
الرواية الرسمية تقلل من الأضرار
رغم محاولات السلطات الإيرانية التقليل من آثار الهجمات، أكدت مصادر أمنية وتقنية أن الأضرار جسيمة، والإصلاحات قد تستغرق وقتًا طويلًا نظرًا لنقص المعدات الغربية نتيجة العقوبات المفروضة على طهران.
ويعني ذلك أن القدرة على تعويض الإنتاج المتوقف ستكون محدودة، ما سيؤثر على الإيرادات العامة وقدرة الدولة على توفير الطاقة للسكان.
مضيق هرمز في قلب المعادلة
تعزز هذه الضربات المخاوف العالمية من توسع الصراع إلى نطاق يؤثر على الإمدادات النفطية عبر مضيق هرمز، الممر البحري الأهم عالميًا، حيث يمر من خلاله نحو 20% من صادرات النفط.
وإذا لجأت إيران إلى تعطيل الملاحة فيه كرد فعل، فإن أسعار النفط قد تشهد قفزات مفاجئة، خاصة في الأسواق الأوروبية والآسيوية التي تعتمد بشكل كبير على واردات الخليج.
استنزاف اقتصادي ممنهج
لم تعد الحرب بين إسرائيل وإيران مقيدة بساحات المعارك التقليدية، بل باتت منشآت الطاقة هدفًا استراتيجيًا، ضمن خطة يبدو أنها تستهدف إضعاف الاقتصاد الإيراني عبر استهداف شريان الإيرادات الأساسي للدولة.
فالضربات توجه ضغوطًا داخلية على الحكومة الإيرانية من خلال التأثير على الكهرباء والتدفئة، ما ينعكس على الحياة اليومية للمواطنين، ويقلّص من قدرة الدولة على تمويل أنشطتها العسكرية والإقليمية.
انعكاسات مباشرة على الأسواق العالمية
كل استهداف جديد للمنشآت النفطية الإيرانية يرفع منسوب التوتر في الأسواق، ويزيد من احتمالية تحركات مضاربية ترفع أسعار النفط والغاز، حتى قبل حدوث تأثير فعلي على الإمدادات.
يدفع هذا الوضع العديد من الدول المستهلكة للطاقة إلى تسريع خطط تنويع مصادر التوريد، والبحث عن بدائل مثل أذربيجان ودول إفريقيا، أو التوسع في الطاقة المتجددة، رغم أن هذه الحلول تحتاج إلى سنوات للتنفيذ.
العقوبات تعمّق الأزمة
في ظل العقوبات الغربية التي تمنع توريد التكنولوجيا والمعدات الحيوية، فإن قدرة إيران على إصلاح المنشآت المتضررة تبدو محدودة.
ومع اعتماد إيران على قطاع الطاقة في تغطية نحو نصف موازنتها العامة، فإن الضربات الأخيرة تمثل تهديدًا مباشرًا لاستقرارها المالي، وربما تدفعها إلى اتخاذ خطوات تصعيدية في الخليج أو بحر العرب.
الاقتصاد قبل السلاح
المشهد العام يوحي بأن النزاع الإسرائيلي-الإيراني دخل مرحلة جديدة، تُعرف فيها القوة من خلال القدرة على شل البنية الاقتصادية للطرف الآخر، لا عبر المعارك العسكرية التقليدية.
وإذا ما استمرت هذه الاستراتيجية، فإن الحرب قد تأخذ مسارًا طويل الأمد عنوانه: “المنشآت الاقتصادية أهداف مشروعة”.
وفي ظل ترقب عالمي لمآلات هذا الصراع، يقف أمن الطاقة العالمي على شفا أزمة، تهدد بإرباك الأسواق وتقويض استقرار اقتصادي هش أساسًا بفعل أزمات سابقة.
الشرق الأوسط على صفيح ساخن
ما يحدث حاليًا ليس مجرد تصعيد عسكري بين قوتين إقليميتين، بل معركة على مفاصل الاقتصاد والطاقة في منطقة تعتبر قلب الإنتاج العالمي.
وإذا خرجت الأمور عن السيطرة، فإن التداعيات لن تقتصر على إيران أو إسرائيل، بل ستطال العالم بأسره، وتُعيد صياغة خريطة الطاقة والسياسة الدولية في آنٍ واحد.