يتحرك الموقف السياسي العالمي الان نحو جعل ارتداء اقنعة الوجه قسرياً في الأماكن العامة كشرط مسبق للرفع التدريجي للحظر بل وإلزام الأفراد غرامات وعقوبات على كل من يخالف تلك التعليمات، لكن الآراء المتناقضة حول استخدام أقنعة الوجه كإجراء فعال ” للتحكم في المصدر ” لا تقتصر على الجمهور لكن أيضاً على الحكومات ووكالات الصحة العامة، من ناحية تنص منظمة الصحة العالمية على أن ارتداء الأقنعة الواقية لا يعد ضرورياً للأشخاص الأصحاء ما لم يشاركوا في رعاية الأشخاص المصابين بعدوى كوفيد 19 أو المشتبه بهم.
كما اشارت هيئة الصحة العامة بإنجلترا (PHE) الى توصية مماثلة استناداً على آن الأدلة الداعمة لارتداء الأقنعة في الأماكن غير السريرية محدود علي عكس الاجراءات الاحترازية الأخرى مثل العزلة الصارمة والتشتيت الاجتماعي.
من جهتها لا تزال منظمة الصحة العالمية متمسكة بموقفها الأساسي خشية ان يُعطي الاستخدام المعمم للقناع ” شعورا خاطئاً بالأمان ” ويجعل الناس يتجاهلون التدابير الأساسية التي لا غني عنها، كما آن أحد الأسباب الهامة لتثبيط الاستخدام الجماعي لأقنعة الوجه بحجة انه لا يوفر حماية فعالة خارج المحيط الطبي هو الحفاظ على الامدادات المحدودة للاستخدام المهني المخصص للأطقم الطبية لتجنب استحواذ الناس علي الأقنعة ما يؤدي الي تفاقم النقص العالمي وارتفاع الأسعار ومخاطر قيود العرض علي اخصائي الرعاية الصحية في الخطوط الامامية، واستجابة لذلك حظرت بعض البلدان مثل ” كوريا الجنوبية وألمانيا ” من تصدير الأقنعة لإعطاء الاولوية للطلب المحلي.
وبعد الحديث عن عدم فائدة الأقنعة الواقية ” الكمامات ” خارج دائرة البيئة الطبية تغير الخطاب الرسمي في عدة دول للحيلولة دون المزيد من انتقال فيروس كورونا ومواجهة سوء الفهم المتزايد لدى عموم الناس، وتكثفت مواقف الأطباء المؤيدين لارتداء القناع القسري عند الخروج من المنزل، العامل الآخر هو الفرضية القائلة بانتقال الفيروس التاجي من خلال جزيئات هوائية حيوية عبر قطرات الجهاز التنفسي التي تخرج من رذاذ الشخص المصاب عند التحدث او السعال او العطس.
في هذا السياق يفيد ” جون مارتين ” نائب رئيس الجامعة المساعد لتدريب وتعليم الامن الصحي المهني بالمركز الطبي لجامعة نبراسكا ان ” معظم الأقنعة لن تحمي تماماً من الإصابة بالفيروس لكنه طبقة حماية إضافية لك وللأشخاص من حولك عند استخدامها جنباً الي جنب مع بعض الاجراءات الأخرى مثل غسل اليدين والتشتيت الاجتماعي مثل البقاء على بعد 6 اقدام من الاخرين، شاطرته وجهة النظر هذه “تريش غرينهالغ ” من قسم نُفيلد لعلوم الرعاية الصحية الأولية بجامعة أكسفورد ان ” تغطية الوجه من قبل عامة الناس تمثل استراتيجية أساسية لمساعدة البلاد في الخروج بحذر من حالة الاغلاق “.
أشارت دراسة حديثة بجامعة اريزونا أن ارتداء 80% من الأشخاص لأغطية الوجه في بلد ما يمكن أن تقلل من معدل الوفيات من 65 الى 24%، حيث استطاعت هونج كونج من خلال الارتداء القسري لأقنعة الوجه في معظم المتاجر والأماكن العامة من تقليل انتشار الفيروس بنسبة 44%، وامتثالاً لذلك قامت العديد من الدول بتوزيع الأقنعة الجراحية والقماشية على كامل سكانها مثل كوريا الجنوبية واليابان وسنغافورة وبلجيكا.
ولذلك قامت بعض الوكالات الصحية بما في ذلك مراكز السيطرة على الامراض والوقاية منها (CDC) بتشجيع الافراد عند مغادرة المنزل لأي سبب بارتداء اغطية الوجه وخاصة القماشية على وجه التحديد على الرغم من عدم اعتمادها من قبل إدارة الغذاء والدواء بالولايات المتحدة (FDA) مثل أجهزة التنفس (N95) و (FFP2) والأقنعة الجراحية، وأفادت ان هذه الأدوات الطبية الحرجة يجب ان تظل محفوظة للمستجيبين الاوائل الذين يقاتلون على الخطوط الامامية.
ينصح ” سكوت سيغال ” رئيس قسم التخدير بجامعة ويك فوريست للطب استناداً علي دراسة حديثة اختبرت مدي فاعلية الاقمشة المختلفة في تصفية الجسيمات المعدية، ان كفاءة الترشيح تراوحت علي نطاق واسع من %80: 5 اعتمادا على نوع القماش المستخدم وكان التقييم الأكثر فعالية هو قناع مزدوج الطبقة يتضمن طبقة قطن ثقيلة الوزن وطبقة قطن اخف او حرير، كما وجدت الدراسة ان الثغرات حول حواف القناع الناتجة عن عدم ملائمة القناع للوجه تؤدي الى انخفاض كفاءة الترشيح الي %60، واكد ” سيغال ” ان الأداء الضعيف كان لأقنعة أحادية الطبقة واقنعة الوجه مزدوجة الطبقة من القطن الخفيف، لذا عند شراء اقنعة قماشية لا يجب التركيز على الجانب الزخرفي او الفني ولكن يجب التفكير في مدى فعاليتها.
بالإضافة الى الفوائد الصحية المباشرة لاستخدام اغطية الوجه بكافة أنواعها فإنها تمثل إشارة مرئية سلوكية تخلق معياراً اجتماعياً يزيد من الامتثال للارتداء العام للقناع، وتحسين السلوكيات الصحية بين الجمهور مما يقلل من انتقال النسخ الفيروسية المعدية المنقولة في الهباء الجوي وبالتالي تخفيف العبء على نظام الرعاية الصحية.
هناك حاجة الى التعاون الدولي والقيادة القوية للتعامل مع الاضرار الجانبية للوباء، وهذا يشمل تثبيت سلسلة التوريد العالمية لأقنعة الوجه بالإضافة الي الامدادات الطبية الأخرى الي المناطق عالية الخطورة، ووضع مبادئ توجيهية من مسؤولو الصحة قائمة على الأدلة المختبرية والسريرية بشأن فعالية ارتداء الأقنعة في مكافحة العدوى وتقليل انتشار الفيروس التاجي.
الرابط المختصر