د. محمد القاضي يكتب: القاهرة كما تستحق أن تكون (2)

(المواطن السيارة)

يقال أن عدد سكان القاهرة الكبرى الآن يتجاوز خمسة وعشرين مليون مواطن ، وهو ما ثبت خطأه تماما، حيث اتضح أن عدد سكان القاهرة الكبرى لا يتجاوز أربعة ملايين  -سيارة- هم عدد السيارات الخاصة وسيارات الأجرة والحافلات والنقل بمختلف أنواعه وما إلى ذلك، تعمل أجهزة الدولة على راحتهم تخطط لهم الطرق وتوسعها تخترق المناطق الأثرية، بينما كل ما نرجوه ان نعيش في سلام مع المواطن السيارة المحتل لمدينة القاهرة ونرجو من السادة المسئولين عن تخطيط القاهرة مراعاة احتياجات الإنسان المشارك للحياة داخل القاهرة مع تلك السيارات.

المثير للدهشة أن معدل امتلاك السيارات – لكل 1000 مواطن داخل القاهرة انخفض من عام 2010 إلى الآن ، حيث كان 126 سيارة لكل 1000 مواطن في القاهرة ، مقارنة بـ 102 في عام 2020 ، حيث كان إجمالي عدد المركبات في القاهرة الكبرى 2.7 مليون، مقارنة بـ 4 ملايين مركبة في عام 2020 بمعدل زيادة 50% ، بينما زاد عدد السكان بنسبة 70٪ ، ما يعني أن نسبة ملكية السيارات تميل إلى الانخفاض بينما تميل الدولة إلى مضاعفة معدلات أطوال الطرق.

إن استراتيجية الدولة بشأن التوسع في الطرق داخل القاهرة الكبرى تحتاج إلى التهدئة قليلاً لصالح مزيد من الدراسات لأعداد الرحلات اليومية للسيارات ودراسة تأثير مشاريع النقل العام التي تكلف المليارات وتسعى الدولة ليلاً ونهاراً لإنهائها ، ودراسة تأثير الطرق الدائرية الجديدة في إفراغ القاهرة من حركة المرور العابر وكذلك دراسة البدائل الأخرى التي يمكن أن تسهم في تقليل الاعتماد على السيارات ، خاصة بعد الزيادة الكبيرة في أسعار السيارات ، مما قد يدفع معدلات ملكية السيارات للانخفاض .

هل نحلم بمراعاة حقوق المواطن الطبيعي في الشارع مثل أخيه المواطن السيارة؟، نحن نحلم بشوارع نتحرك فيها بحريةو تحتوي على قدر مناسب من عناصر الأمان والعناصر الإنسانية مثل الأشجار التي توفر بعض الظل ، وتلطف حرارة الجو وتحسن من جودة الهواء ، ومقاعد مريحة في أماكن مظللة بها عناصر مائية خفيفة ، ونسمح لبعض القطارات الكهربائية الخفيفة بمشاركتها معنا لمسافات محدودة ، حتى نتمكن من استخدام هذه الشوارع  للانتقال من مكان إلى مكان ، وبهذا نقوم بتقليل عدد الرحلات التي تعتمد على السيارات الخاصة، وعلى الرغم ان  هذا الأمر سيشكل تهديدًا لـ (المواطن السيارة) الذي يحتل القاهرة ، حيث ستبدأ أهميته في التلاشي قليلاً بسبب القيمة الاجتماعية والتجارية المضافة لشوارع المشاة ، حيث ستتسابق المحلات التجارية والمطاعم والمقاهي على التواجد بهذه الشوارع بدلًا من الطرق السريعة المخترقة للمدينة.

إن هذه الشبكة من شوارع المشاة والساحات العامة قد تعيد للمجتمع القاهري نمط الاعتماد على الحركة على القدمين وتنشيط المناطق التجارية مثل وسط البلد وشارع جامعة الدول العربية وشارع 26 يوليو والكوربة وغيرها من المناطق الإنسانية التي كانت وجهة للسياح والمصريين عندما كان لهم الحق في التجول في الشارع وتناول الطعام ومشاهدة المحلات التجارية والجلوس تحت الأشجار وليس التجول في المولات المغلقة المكيفة بأسلوب استهلاكي بحت.

واعتقد أن الدور الإنساني والمجتمعي لهذا النوع من الشوارع يتجاوز الدور المادي المتمثل في تقليل الاعتماد على السيارات وتحسين جودة الهواء ، والذي سيتم تحقيقه وفقًا لذلك.

قد يكون لهذه الأحلام الإنسانية تكلفة لا تقارن بتكلفة الطرق والكباري الجديدة، على العكس من ذلك ، فقد يحققون أرباحًا مباشرة وغير مباشرة على المستويين القصير والطويل الأجل، وقد نقدم للعالم نموذجًا للتحول إلى طرق المشاة ذات النموذج المالي المستدام بدون أدنى تكلفة على الدولة.

فقد يساهم إنشاء شبكة من شوارع وساحات المشاة والأماكن العامة في احتواء الأزمات المرورية وإعطاء القاهرة طابعًا مميزًا يجعلها تضاهي أكبر العواصم في العالم، نحن نبحث عن القاهرة أكثر إنسانية ونحلم بالقاهرة كما تستحق أن تكون.

آخر الأخبار