د. محمد القاضي يكتب: مصر أرض الفرص الحقيقية «المواطن مصري»


“الشعب المصري كله ماسك في ديل الحكومة كأنها امه”

يصف الفنان خالد صالح في هذا المشهد العبقري من فيلم عمارة يعقوبيان الحكومة بالأم التي يتمسك بها أولادها الصغار لتحقيق متطلباتهم الأساسية من اكل وشرب وخلافة، وهو بالفعل ما نشأت علية أجيال في فترة الخمسينات والستينات حيث كانت الحكومة تتولي امر الطفل من اول دعم لبن الأطفال مرورا بالتعليم ما قبل الجامعي والجامعي وحتى توفير فرصة عمل عبر وزارة القوي العاملة.

لم يكن ارتباط الشعب بالحكومة كأم له هو ما يشغلني لأنه تم بالفعل خلخلة هذا الارتباط عبر العصور اللاحقة، ولكن ما يثير الاهتمام هو تقمص الحكومة لدور الاب والام وولي الأمر وليس الموظف العام، فمازالت الحكومة تريد ان تلعب دور الاب والام منذ ان كان الرئيس جمال عبد الناصر يقول “اجيبلكوا منين، انتوا كتير” وكأن دور الحكومة هو توفير الطعام والشراب والأمان لأولادها، وظلت الحكومة يسيطر عليها هذا الدور حتى بعد ان تخلت عن مسئولياتها المباشرة عن توفير الاحتياجات الأساسية.
واستمرت رؤية الحكومة للمواطن كأنه عبئ، وحوصرت الحكومة في هذا الدور الابوي الذي منع الحكومة من رؤية أوسع لدورها كمدير للدولة ومواردها لتهيئة الوسائل المناسبة للمواطنين لتوفير العمل والسكن والطعام والامن، وأنها يجب ان تعمل على استغلال الموارد المتاحة بالدولة لتوفير مستوي مناسب لجودة الحياة. وظل المواطن بالنسبة لها عبارة عن رقم في خانة التعداد واستهلاكه هو تكلفة في الموازنة وأصبحنا نسمع عبارات مثل “المصريين استهلكوا فراخ بخمسة مليارات في شهر” وأصبح الشغل الشاغل للحكومة سد العجز الحادث في الموازنة العامة نتيجة استهلاك الشعب المتزايد مثلها مثل أي اب يحرص فقط على تدبير نفقات استهلاك الشهر الحالي.
واستمر الحديث عن الزيادة السكانية كمشكلة مزمنة عبر الأنظمة السياسية المختلفة وصعوبة بل استحالة حلها بعد اللجوء لجميع الوسائل، فهل يكون من الممكن التعامل مع هذه المشكلة بواقعية –على سبيل التغيير- ونحاول ان نستفيد منها بدلا من الشكوى منها، هل من الممكن النظر لكثير من الابطال المصريين ذوي الهمم الذين حولوا اعاقتهم الي نقاط قوة وصلت ببعضهم لتحقيق ميداليات اوليمبية ودولية.
ان تغيير بسيط في رؤية الحكومة من السلطة الابوية لسلطة ادارة الموارد لتوفير الحقوق الاساسية كفيلة بأحداث نقلة نوعيه في الإطار الفكري الحاكم للدولة حيث يمكن ان يتحول المواطن من عبئ يجب توفير الطعام والدعم له الي أداة للإنتاج يمكن ان تحقق إنتاجاً وفيراً ينهض بالناتج القومي الإجمالي وعلما غزيرا وابداعا يفوق الحدود.
ان الدولة وحدها لم تستطع توفير احتياجات المواطنين بصورة مباشرة وغير مباشرة لأحد اهم الحقوق الأساسية مثل الاسكان الذي بذلت فيه جهدا كبيرا لتوفير وحدات سكنية ومع ذلك لم تستطع ان توفر بكل جهاتها وأجهزتها وامكانياتها بالإضافة للقطاع الخاص اكثر من 20% من الاحتياج السنوي من الوحدات السكنية علي مستوي الجمهورية بمتوسط حوالي 194 الف وحدة سنويا وهو ما يقترب مما كان يتم تشييده في الخطة الخمسية الاولي ١٩٨٢-١٩٨٧ علما بأن الطلب علي الوحدات قد تضاعف من ٥٠٠ الف وحده الي مليون وحده سنويا تقريبا، بينما -طبقا للجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء- كان عام 2017-2018 استثنائيا حيث وفرت الدولة حوالي 326 الف وحدة (ما يعادل 30% من الاحتياج السنوي) وهو رقم لم يتكرر .
وذلك هو لب الموضوع، الحكومة تري ان من واجبها توفير أكبر عدد من الوحدات السكنية وتخصص لبند الاسكان أجزاء كبيرة نسبيا من الموازنة العامة للدولة وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بينما في الحقيقة يمكن ان نري سوق الإسكان في مصر عبارة عن سوق يحركه قوي طلب عظيمة تصل الي مليون وحده سكنية سنويا وهو معدل احتياج كفيل بتحريك ودفع اي سوق الي افاق غير محدودة حيث انه من المعروف ان قوي الطلب هي القوي الرئيسية لديناميات اسواق المنتجات والخدمات.

وإذا تغيرت رؤية الدولة وتوجهاتها من مجرد منتج للوحدات او منافس لشركات التطوير العقاري الي توفير الإطار المناسب لتحقيق مبدأ “حق السكن لكل مواطن” والاستعانة بالمطورين العقاريين في مصر والدول المجاورة لتحول السوق العقاري المصري الي سوق عالمي جاذب لرؤوس الأموال من أنحاء العالم. ان بعض الدول المجاورة ذات الاحتياج السكني الضئيل نسبيا لا يكاد يصل الي 10% من احتياج السوق المصري تحقق مبيعات تتخطي 72مليار دولار في عام 2022 ونحن لا زلنا نتحدث عن تصدير العقار والسماح بتملك الأجانب وخلافه من إجراءات حققتها هذه الدول من أكثر من ١٥ سنه.
ان الفرص والامكانيات المتاحة في السوق العقاري المصري فقط كفيله بأحداث نهضة اقتصادية تدفع بالدولة ومواردها الي افاق لم نكن نحلم بها، وهو ما يمكن ان يحدث في التعليم والصحة وغيرهم من الخدمات التي لو قررنا فقط العمل على توفيرها بصورة اقتصادية سليمه ومستدامة ستجعل من مصر ارضاً للفرص الحقيقية التي يسعي الجميع للعمل والإنتاج والحياة فيها.

آخر الأخبار