د. محمد القاضي يكتب: نظرية الرُخامة

هل يعني بناء المساجد انتشار التدين بين الناس؟.. هل يؤدي انتشار المساجد الكبيرة الي انتصار الأخلاق والقيم؟.. هل يعكس توغل الزوايا والمساجد الصغيرة عمقاَ دينيًا في المجتمع؟..لا أعتقد أنه يوجد علاقة مباشرة بين أي مما سبق، وهو بالمثل ما يمكن تطبيقه على المدارس وجودة التعليم، وكذلك على المستشفيات والخدمة الصحية، على بناء العمارات وحق السكن، على الإستادات ومستوى الرياضة، على توسيع الطرق وجودة المرور.

هل إذا افتتحت الدولة مجمع مدارس يعني ذلك النهوض بالتعليم وتوفير خريج ذو جودة متميزة مناسبة لسوق العمل في مصر والعالم؟، هل إذا افتتحت الدولة العديد من المستشفيات يعني ذلك وصول خدمة صحية ذات جودة عالية إلى الكفور والنجوع والقرى؟، هل يعني افتتاح طرق عريضة واسعة انخفاض معدل الحوادث والوفيات والوصول لمستوى المرور ليماثل الدول المحيطة مثل دبي والسعودية؟، هل إذا بنينا استادات سنصل لكأس العالم؟.

لا جدال على أهمية بناء الدولة لهذه المباني والتي تعاني من عجز مذهل في أعدادها على الرغم من السباق المحموم لتنفيذ أعداد قياسية منها سنويا، فلا زالت أعداد الأسرة  في المستشفيات لا تزيد عن 121 ألف سرير على مستوى الجمهورية بمعدل 1.34 سرير لكل ألف مواطن بينما تتراوح في بعض الدول الأوروبية بين 13 إلى 8 سرير لكل ألف مواطن بينما تصل هذه النسبة في بعض دول المنطقة إلى 3.03 سرير بينما تقترب مصر  من دول مثل المكسيك كولومبيا اللتان تحتلان المراكز الـ 39 و الـ 40 علي مستوى العالم، كذلك يصل معدل الطلاب في كل فصل إلى 56.7 طالب لكل فصل بينما تصل في بعض دول المنطقة إلى  26 طالب وفي بعض الدول الأوروبية إلى 22 طالب في الفصل، وبالمثل يمكن تطبيق هذه النسب على الإسكان والطرق والمواصلات العامة والنوادي الرياضية وأغلب الخدمات الأخرى.

ونتيجة هذا العجز الكبير المتراكم منذ الستينات والسبعينات في مباني الخدمات توجهت الدولة بكل أجهزتها منذ الخطة الخمسية 1982-1987 إلى التوسع في بناء هذه المباني وأصبحت مشروعات قومية هامة وتصدرت الصحف أخبار افتتاح المسئولين لهذه المشروعات وأصبحت صورة المسئول بجانب “الرٌخامة” التي سُطر عليها اسمه هي صك لتأكيد إنجازاته، وصارت هذه “الرٌخامة” رمزًا للإنجازات، وأصبح سائدا اهتمام المسئولين بالمشروعات ذات حفل الافتتاح وقص الشريط مثل بناء مدرسة أو مستشفى أو استاد أو طريق أو مجموعة عمارات سكنية بينما نجد عزوفًا من الدولة عن المشروعات التي لا يمكن افتتاحها او عمل “رٌخامة” أو قص شريط مثل مشروع تأمين صحي لكل المواطنين أو مشروع حق السكن لكل مواطن أو مشروع تطوير المرور في مصر الذي اقتصر علي إنشاء طرق وتغليظ عقوبات قانون المرور.

من الواضح إننا نحتاج مشروعات بدون “رُخامة” أو افتتاح، مشروعات تعتبر الإنشاءات فيها جزء مكمل وليست كل شيء، للأسف هذه النوعية من المشروعات يشعر بها المواطن بعد فتره طويلة نسبيا، ولكنها قد تغير حياته إلى الأفضل بينما يهتم المسئولين بنوعية آخرى من المشروعات التي تحقق لهم وجود فوري على الساحة.

هل نحلم بيوم ما  تكون المشروعات القومية هي مشروع حق السكن لكل مواطن نرى منظومة متكاملة تحقق للمواطن حقة في السكن؟، هل يمكن أن يكون التأمين الصحي حق لكل مواطن وليس علاج علي نفقة الدولة؟، هل يمكن أن نرى منظومة لتطوير التعليم اتفق علي أهدافها المجتمع ووضع استراتيجياتها خبراء مصريين وعالميين بعيدًا عن الموظفين البيروقراطيين القابعين في أركان وزارة التعليم، هل نحلم بمنظومة مرور متطورة تضع راحة المواطن في الصدارة وتهتم بتوفير الأمان علي الطرق بدلا من نشر الرادارات حتي بدون وضع علامات للسرعة المحددة؟.

هل يمكن أن تتحول الحقوق الأساسية للمواطن لمشروعات قومية يعمل المجتمع بكامل مؤسساته وأفراده لتحقيق هذه الأهداف؟، هل يمكن أن نعمل بصورة حقيقية علي رفع مستوى جودة الحياة في مصر، وللحديث بقية.

آخر الأخبار