نحو مدينة أكثر انسانية

من أفلام والت ديزني الشهيرة فيلم cars او سيارات والذي يتخيل فيه أن السيارات هي سكان المدينة وليس البشر، لا استطيع رؤيه هاتين الصورتين الا في هذا السياق الذي تتمتع فيه السيارات بأولويه اولي علي حساب البشر، وبدون الحاجه للعودة الي نظريات التخطيط العمراني والعلوم الانسانية لمعرفة من هو صاحب الأولوية الاولي في المدينة، فأنه من المعروف ان المدينة هي مكان لتجمع مجموعة من الافراد يحصلون فيه على السكن ويقومون بالأنشطة الهامه لهم ويتمتعوا بالخدمات الحيوية كالمدارس والمستشفيات وخلافه، ويعمل مخططو المدن  علي ربط هذه الأنشطة بطريقه سليمه و سهله عن طريق شبكة طرق تسهل الوصول من والي المناطق السكنية والخدمية.

السيارات هم سكان المدينة

كانت شبكة الطرق في الماضي تخدم الدواب والعربات التي تجرها الدواب ومع انتشار السيارات تحولت الطرق لتناسب السيارات ووسائل النقل الجماعي، وأصبحت السيارات هي الوسيلة الأهم للتنقل في المدن، وتدريجيا أصبحت شبكة طرق السيارات من اهم العناصر في تخطيط المدن، حتي أصبحت المدينة هي شبكة شوارع تعج بالسيارات والاختناقات المرورية تاركه المدينة في حالة من التلوث البيئي الغير مسبوقة، حتي ادرك العالم ان تصميم المدينة من شبكة السيارات هو ردة عن المفهوم الحقيقي للمدينة وان السيارات وحتي النقل الجماعي ليسوا هم الوسيلة الوحيدة لربط المناطق السكنية بالأنشطة الخدمية وغيرها ولكن شبكة مسارات المشاة وشوارع المشاة التي تربط الفراغات العامة والمناطق السكنية مع دمجها بشبكه وسائل النقل الخفيف مثل الترام الكهربائي وغيره.

وهو ما نراه في أغلب الدول الأوروبية حيث يوجد شوارع مشاه بالكامل تمكن المستخدمين من عبور المدينة بالكامل عبر المشي او ركوب الدراجات او وسائل النقل الخفيف، وهو كان هدفا للاتحاد الأوروبي حيث كان يهدف في الأصل الي تخفيف حدة التلوث وكان ذلك عن طريق تقليل استخدام السيارات وإيجاد طرق بديله عن السيارات الخاصة والاتوبيسات، و نري مدن كامله اجرت بعض التعديلات البسيطة علي شبكة الشوارع الرئيسية وبأقل تكلفه حولت استخدام السيارات الي اختيار يلي المشي وركوب الدراجات ووسائل النقل الخفيف، نري ذلك في مدينه مثل برشلونه حيث يقطع شارع لارامبلاس la ramblas  المدينة  لمسافة تصل الي 2 كيلومتر وهو من اهم و اكبر شوارع المشاة في العالم ويربط المدينة من الشمال الي شاطئ البحر وتحولت الفنادق والمحلات والمطاعم المطلة والمحيطة بهذا الشارع الي مناطق جذب عالميه للسياح و المقيمين،

ولم يكتفوا بهذا فقط بل أجروا تعديلات طفيفا على التصميم التقليدي لإحياء برشلونه eixamble حيث كان يحيط كل بلوك سكني أربعة شوارع فتم ضم كل اربع بلوكات في منطقه واحده (سوبر بلوك) وتم وضع بوابات للسيارات تمنع السيارات العابرة وتسمح للسكان فقط بالدخول وتم تحويل الشوارع الداخلية للمشاة فقط، وبالتالي تم خفض اطوال الشوارع المخصصة للسيارات وزيادة شوارع المشاة بدون التأثير علي كفاءة حركة السيارات.

وما حدث في برشلونة نراه في مدريد وباريس وكوبنهاجن وغيرها من الدول الأوروبية حيث أدركوا اهميه وجود وسائل بديله وفعاله لشبكة شوارع السيارات التقليدية، وكذلك أدركوا ان تحويل شوارع السيارات الي شوارع مشاه يرفع من القيمة النسبية للمحلات والمطاعم والفنادق حيث تتحول الي مناطق تجاريه تعج بالسياح ومرتادي المطاعم والكافتيريات، مع أهمية الاعتراف بأن اغلب هذه المدن الأوروبية تحتفظ بنسيج عمراني ينتمي الي القرن ال١٨ وما قبله وهو ما يمثل تحدي للمخططين لا مثيل له في اي مدينة اخري.

ان تحديث شبكة الطرق امر محمود، وإضافة طرق جديدة امر مهم جدا قد يساعد علي ربط المناطق الصناعية والموانئ بالأسواق الهامه وكذلك تسهيل وصول السكان من والي أعمالهم ولكن لا يمكن تجاهل ان الانسان هو اصل المدينة وسبب وجودها، إن تصميم المدن من أجل السيارات وليس من أجل الانسان هي قضية تخصصيه وجدليه، يجب ان نتخطاها الي مفهوم تصميم المدن من أجل الانسان لا السيارات مما قد يساهم في تحول حقيقي لمفهوم التنمية الحضرية في مصر وتغيير وجه الحياه في المدن المصرية الرئيسية، ان تصميم المدن اهم واعقد من أن يترك لمتخصصي الطرق فقط فإن تخطيط الأماكن السكنية وتدرجها وكذلك الخدمات بتدرجها الشبكي وربطها بشبكات الفراغات العامة ومسارات المشاة لهو علي  نفس أهمية شبكة طرق السيارات ان لم تكن علي درجة اعلي من الأهمية، ان وجود شبكة من شوارع المشاة والفراغات العامة يساهم في تشكيل نمط حياه صحي جسديا ونفسيا.

د.م. محمد مصطفي القاضي

المدير التنفيذي لشركة إنجاز للاستشارات

متخصص في التخطيط العمراني

آخر الأخبار