عمرو رأفت يكتب: الدولار والمدرب الوطني

أزمة الدولار تظل هي الأهم إذا أردنا إصلاحًا في أوضاعنا الاقتصادية التي تعاني بشدة خلال المرحلة الحالية، والجميع مُطالب بوضع تصورات متكاملة لتجاوز تلك الأزمة الخانقة التي تكاد تُنسينا ما تحقق من انجازات على أرض مصر خلال السنوات القليلة الماضية.

بالأمس تابعت المباراة الأقوى في مونديال أمم أفريقيا لكرة القدم بين منتخبي كوت ديفوار المستضيف والسنغال حامل اللقب، وأكاد أجزم أن المنتخبين قدما كرة قدم أوروبية بجمل تكتيكية متطورة بنكهة أفريقية سمتها الأساسية هي القوة، والأمر الملفت أن المنتخبين يقودهما مدربان وطنيان بعيدًا على إهدار الدولارات على مدربين أجانب.

منتخب كوت ديفوار استعد مبكرًا لاستضافة الأمم الأفريقية حالمًا بانتزاع اللقب من بين أنياب المرشحين الأهم للبطولة، معلنًا تعاقده مع المدرب الفرنسي جان لوي جاسيه وخاض معه سلسلة من المباريات الودية فاز في أغلبها، ولكن مع انطلاق البطولة خيب منتخب كوت ديفوار آمال أنصاره بأداء متواضع في دور المجموعات الذي اختتمه بهزيمة تاريخية أمام منتخب غينيا الاستوائية المتواضع برباعية نظيفة.

وبعد أن فقد منتخب الأفيال الأمل في الصعود للدور الثاني أقال مدربه الفرنسي ووضع الثقة في مساعده الإيفواري ايميرس فاى، وخدمت نتائج الجميع الفريق المستضيف ليأتي صعوده للدور ثمن النهائي ثالثًا لمجموعته ليواجه السنغال المرشح الأقوى للظفر بالبطولة، وتحقق ما وصفه البعض بالمعجزة بأن أدى منتخب الأفيال الإيفوارية مباراة ولا أجمل تحت قيادة المدرب الوطني.

منتخب السنغال على مدار 8 سنوات مضت وجدناه يجني ثمار ثقته واعتماده على مدربه الوطني أليو سيسيه ‏الذي كان من قادة منتخب بلاده في كأس العالم 2002 والذي ذهب خلالها المنتخب الأفريقي بعيدًا متخطيًا الدور الأول بجدارة بعد الفوز على الديك الفرنسي حامل اللقب وكذلك دور الـ16، واستطاع منذ تولى مسئولية منتخب بلاده أن يستخرج مخزون خبراته مستعينًا بكتيبة من المحترفين وحاز لقب النسخة الماضية من الأمم الأفريقية وكذلك صعد لكأس العالم في أخر نسختين.

من كل هذا أتمنى أن يترسخ لدينا أن المدرب الوطني قادر على قيادة منتخبنا، فالعالم في كثير من المجالات يستعين بالعقلية المصرية، وإذا وضعنا إلى جوار ذلك الأزمة الطاحنة التي نعانيها اقتصاديًا من نقص الدولار وارتفاع سعره، أجد أنه من السفه إهدار الدولارات على مدربين أجانب يعتبروننا حقل تجارب تثقل خبراتهم ويسوقون أسماؤهم بقوة بالمنطقة العربية بمجرد إقتران أسماؤهم بتدريب المنتخب المصري.

اتحاد الكرة لهث قبل سنوات بمجرد أن طالب الرئيس عبد الفتاح السيسي بالتعاقد مع مدرب وطني، وأبرم تعاقدًا مع المدرب إيهاب جلال الذي سرعان ما غادر منصبه بمجرد خسارة مباراة أو حتى بطولة، وهو ما يعني أن اتحاد الكرة يعمل من دون خطة أو استراتيجية والأمر فقط خاضع للحالة المزاجية والشللية والعشوائية التي تضرب كافة أركان الكرة المصرية.

يا سادة.. ما يحدث في الكرة المصرية هو مثال واضح للعديد من القطاعات الإنتاجية في مصر الذي نفتقد فيها الثقة في المنتج المصري والعقلية المصرية، ولا أخفيكم من الأمر شيئًا حين نتذكر معًا التكتل الذي شكله بعض المستوردين والوكلاء حين فكرت الدولة ووضعت استراتيجية لصناعة السيارة المصرية وأجهضوا الحلم الذي كان بمقدور تحقيقه أن يدعمنا في مواجهة أزمتنا الحالية من النقص الحاد في الدولار.

آخر الأخبار