محمد مصطفى القاضي يكتب: ولكنهم لا يأكلون الكنافة بالمانجو

بعد أكلة دسمة مشبعة والتي أصبحت نادرة هذه الأيام أو بعد أكلة بسيطة غير متكاملة العناصر يعشق الشعب المصري فكرة أن يحبس هذه الأكلة بكوب من الشاي الثقيل مع مقدار محترم من السكر كنوع من أنواع استكمال الوجبة أو التحلية البسيطة والتي كانت في مقدرته المالية حتي وقت قريب، بينما تستطيع فئة قليلة أن تأكل بعض أنواع الحلويات الغربية أو الشرقية التي أصبح ثمنها يماثل قسط أول عربية كوري اشترتها في حياتي، وقد يلجأ البعض إلى أنواع من الفاكهة التي أصبحت رفاهية لا يقدر عليها أغلب الشعب.

 

وبينما يحدث أزمات متعددة في السكر لا نكاد نجد أي مشكلة في توافر الجاتوه والدونتس وما لذ وطاب من الحلويات ونجد مئات من أفرع هذه المحلات تفتتح يوميًا في محطات البنزين والشوارع وأسفل الكباري كأنما قررت الحكومة العمل علي توفير احتياجات فئة محددة من الكنافة بالمانجو والشوكولاتة وعيش السرايا وتجاهلت احتياجات الفئات الأخرى.

يبدو أننا نوفر الخدمات والسلع عندما نستطيع أن نحقق هامش ربح محترم بينما نضطر أن نحسب مقدار الدعم وتكلفة توفير هذه الخدمات للبعض الآخر.

هذا ما يحدث أيضًا في سلعة مهمة مثل السكن حيث تعمل الحكومة جاهدة بكل أجهزتها لتوفير وحدات سكنية لفئات محددة تاركة أغلب الفئات بدون العمل على توفير احتياجاتهم وبينما استطاع الشعب أن يستغنى عن السكر كمصدر بسيط للسعادة لا نجدهم يستطيعون الاستغناء عن السكن كاحتياج من الاحتياجات الأساسية.

 

هذا ليس اتهامًا للحكومة بالتقصير لا سمح الله، ولكنه اختلاف علي الأولويات، يكفي أن نأخذ نظرة سريعة علي أسعار الوحدات السكنية المتاحة من مطوري القطاع الخاص و المطورين الحكوميين وكذلك من هيئة المجتمعات وغيرها من الهيئات حيث نجد أسعارًا تبدأ من عدة ملايين للشقة الصغيرة ذات الغرفتين وتنتهي بعشرات الملايين، يا ترى كم تشكل فئة المواطنين ذوي الدخل المرتفع أكثر من 200 ألف جنيه في السنة، لا نحتاج للتساؤل، نشكر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء علي إصدارته (بحث الدخل والإنفاق) حيث يقول لنا إنهم لا يتعدون%2,7 يعني ما لا يتعدى 3 ملايين يزيد دخلهم عن 16.6 الف جنيه في الشهر في عموم القطر المصري.

قد يكون منطقيًا للقطاع الخاص أن يبحث عن القطاعات الأكثر ربحًا، ولكنه قد يكون عجيبًا أن نجد القطاعات الحكومية تفعل ذلك، إذًا من سيعمل علي توفير احتياجات باقي الفئات، من سيعمل علي سد الفجوات الكبيرة في الإسكان المتوسط والاقتصادي الذي يشكل أكثر من 95 % من احتياج السكن في مصر وقد تصل نسب العجز في هذا القطاع الي 70%وأكثر في بعض المحافظات.

يجب علي الحكومة الوعي بهذا الخلل الذي قد تكون عواقبه أكبر من أن تُحتوى بسهولة .

إن بعض الدول ظلت تعاني من آثار الأزمات العقارية لعقود، بينما يعلم الجميع المقومات الاستثنائية لسوق الإسكان في مصر نجد التخوفات من استمرار وضع السوق العقاري كما هو بدون نقلات نوعية، هذا الخلل في هيكل السوق العقاري يثير قلق المتخصصين والدارسين لسوق الإسكان والعقار في مصر، ليس معنى ارتفاع مبيعات المطورين إلى مليارات وتعدي حدود غير مسبوقة وعدم حدوث أزمات حتي الآن أنه لا يوجد مؤشرات تدعو الي القلق، فزيادة الأسعار وانفصالها تمامًا عن مستوى الدخل لأغلب الفئات كذلك ارتفاع أسعار الخامات وفوائد البنوك قد تؤثر علي قدرة المطورين على تنفيذ المشروعات بينما يعاني المشترون من صعوبة تسديد الأقساط وكذلك صعوبة تسييل العقار وتحقيق معدلات الأرباح التي كانت تتحقق، مما قد يؤدي لخروج الكثير من المستثمرين من الأسواق.

قد يكون الوضع الآن مستقرًا على السطح، ولكن تحليل واستقراء المستقبل قد يحول دون وقوع أزمات أو مشاكل مستقبلية متوقعة، إن ما يحمي السوق العقاري المصري عبر الزمن هو الاحتياج الحقيقي للسكن الذي يتخطى أي نسب للعرض، وقد يكون العمل علي إجراء تحول هيكلي في السوق يسمح بدخول القطاع الخاص في فئات مختلفة القاعدة التي سيستند عليها مستقبل القطاع العقاري، الذي قد يصبح قطاعًا جاذبًا للاستثمارات من جميع أنحاء العالم، دعونا نعمل على توفير احتياجات جميع الفئات، إن السكن ليس فقط لمن يدفع ولكنه حق لكل مواطن.

آخر الأخبار