محمود البسيوني يكتب: رحلة البحث

وقف ثابتًا في منتصف غرفة شبه مظلمة

ولهب الشموع يترنح بعشوائية من حوله

وزحفت ظلال ثقيلة وثابتة

علي سقف الغرفة

وجدرانها الأربعة

لا يدري كم مضى من الوقت

فتح عينيه المغلقة ببطء

ليجد نفسه مستلقيًا على الأرض

شاهد لهب الشموع يلفظ أنفاسه الأخيرة

وعادت الظلال زاحفة ببطء من حيث آتت

أما صوت الطبول ورائحة أغصان الميرمية

فاقتربت منه بحرص شديد

ظنًا منها أنه لم يستيقظ بعد

تذكر أنه كان واقفًا وسط الغرفة

ينظر إلى الجدران

باحثًا عن ظلال لهب الشمع

وتذكر شعوره بالأسف

فلن يتمكن اللهب الشفاف

من الوقوف حاجزًا أمام الضوء

وسيبقي للأبد

بلا ظل

تذكر أنه كان واقفا وسط الغرفة

يتساءل لماذا يبتعد عنه صوت الموسيقى والطبول

كم كان مخطئًا

لقد ابتعد هو

وتحول إلى حبيبات فضية تسبح

وسط فضاء شديد الزرقة والصفاء

تلاشى جسده تمامًا

أما صوت الموسيقى والطبول

مازال يتناهى من بعيد

إلى مسامعه

لقد شعر بالتواصل والألفه بينه وبين تلك الحبيبات الفضية

أصبح جزء لا يتجزأ منها

بدت إليه كنجوم لامعة يعرفها حق المعرفة

لقد ظل يسبح في الفضاء

ونظر إلى أسفل ليجد نفسه محلقًا

فوق زهور عباد الشمس شديد الاصفرار

في حقول واسعة وممتدة

لا يرى نهايه لها

منذ تلك الليلة

وعلى الرغم من مرور الوقت

فان رائحة أغصان المريمية ودقات الطبول

ولهب الشموع والظلال

ظلت بتفاصيلها الدقيقة عالقة في ذهنه

وبين جدران الغرفة الأربعة

في طريق العودة

استرجع شريط حياته منذ بدايته وابتسم

كان دائما على يقين أن سنوات العمر لم تمر هباء

والدروب الشاقه قد سلكها لتستنفذ الذات طاقتها وتخور قواها

ويتمكن هو من الوقوف على نقطة

في منتصف غرفة شبه مظلمة

ليخطو خطوته الأولى

في رحلة البحث

في طريق العودة

قرر أن سيغلق عينيه بين الحين والآخر

إلى أن يحين موعد الخطوة الثانية

ليسترجع ماحدث

سيتذكر رائحة أغصان الميرمية ودقات الطبول

ولهب الشموع والظلال

وسيسبح مع الحبيبات الفضية

ويحلق فوق حقول عباد الشمس الراقصة.

آخر الأخبار