الدكتور محمد مصطفى القاضي يكتب: إزالة الأزمة الاقتصادية في 30 ثانية بدون ألم

تنتشر في المناطق الشعبية البعيدة عن الرقابة الطبية لافتات لعلاج بعض الأمراض في مدة قصيرة وبدون ألم، وسط حيرة الأطباء الجادين حول كيفية تحقيق ما يحتاج إلى تدخل جراحي متخصص في 30 ثانية وبدون ألم، فارتبطت هذه الإعلانات في عقلنا الباطن بعدم الجدية و عدم القدرة على العلاج الدائم حتى لو تحقق بعض العلاج الوقتي والمؤقت.

أصبح الجميع يعلم أن العلاج الحقيقي لا يكون فقط بإزالة العرض ولكن بتتبع المرض والعمل علي علاجه، ولكن للأسف لا تلاقي هذه الطريقة شعبية لدى عامة الناس بسبب الوقت الطويل وتأخر ظهور النتائج.

وقد يطالب الطبيب مريضه بتغيير عاداته الغذائية وكذلك نمط حياته الذي تعود عليه لسنين إذا كان يريد علاجًا جادًا لحالته، ولكن قد يبحث بعض الناس عن نتائج سريعة براقة على حساب العلاج الحقيقي للمرض.

لا أخفى سرًا أنني أتحسس مسدسي عندما أسمع فكرة أنه يوجد حلولاً قصيرة وحلولاً متوسطة الأجل وحلولاً طويلة الأجل، فهذه المدرسة تريد أن تخفف وطأة الحلول الحقيقة.

كلنا نعلم أنه لن يحدث علاج أو تطور في الحالة المرضية إلا بتغير العادات و السلوك والنمط المتبع الذي أدى للمرض وأي محاولات لوضع مسكنات مؤقتة قد لا تؤدي إلى اختفاء المرض، دعونا نكون واضحين ومحددين الاتجاه.

إذا كان الاقتصاد المصري يعاني وكذلك بالطبع المواطن المصري فإن هذه المعاناة هي عرض للعديد من الأمراض إذا أردنا حلها يجب أن نتتبع المرض ونستخدم علاجًا جراحيًا جادًا ومؤلمًا ونغير بشكل جذري الأنماط المؤدية لهذا المرض وليس علاجًا تجميليًا مؤقتًا للعرض.

لا يمكن أن ننكر أن من أهم أسباب الأزمة الاقتصادية الحالية هو الخلل الحادث في آليات السوق المفتوحة حينما تحولت الدولة إلى مطور عام وأصبح القطاع الخاص يعمل لديها من الباطن وانخفضت نسبة مشاركة القطاع الخاص في الأسواق إلى نسب متدنية لم تحدث في التاريخ القريب، بل على العكس اقتحمت الدولة مجالات لم تكن تقترب منها في أي وقت سابق مثل الإسكان الفاخر الذي أصبحت الدولة أكبر مطور عقاري لهذه الفئه بنسبة تزيد عن 71%من إجمالي وحدات هذه الفئة طبقًا لإحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء.

كذلك فرض المزيد من الإجراءات الرقابية على الأسواق وعلى الافراد قد تؤدي إلى مزيد من عدم الثقة في الأسواق و الحاق الضرر باليات السوق المفتوحة الا اذا كان التوجه الي مزيد من الحلول الاشتراكية التي ثبت فشلها في السابق ونريد تكرارها لمزيد من التأكد من فشلها.

إن العبث بآليات السوق إن لم يكن في الاتجاه الصحيح قد يؤدي إلى خلل لا يمكن علاجه علي المدي القصير فعندما تحولت الحكومة في بداية العقد الأول من الألفية إلى تاجر أراضي وأدخلت الأراضي المتاحة لهيئة المجتمعات في مزادات رفعت أسعار الأراضي إلى أرقام شكلت عبئًا على السوق ولم تنخفض أسعار الأراضي مرة أخرى واصبح العائد من بيع الأراضي مغريًا للدولة وتحولت من البحث عن التنمية بمنح الأراضي للمستثمرين إلى البحث عن الربح إلى درجة أدت الي إعاقة الحصول علي الأراضي .
وأصبح سعر متر المباني لا يناسب أغلب الفئات المستهدفة، فما بالنا إذا تحولت الدولة إلى  مطور عقاري ينافس في الأسواق ويحدد أسعارًا مرتفعة علي الرغم من حصوله علي الأراضي مجانًا، قد يكون الضرر المباشر الحادث من هذا التدخل قابلًا للعلاج الآن ولكن إذا استمر قد يؤدي إلى مزيدًا من خروج للقطاع الخاص ومزيدًا من احجام الاستثمارات الأجنبية وفقدان السوق العقاري المصري لجاذبيته.

لازالت أسواق الاستثمارات العالمية تنظر للسوق المصري علي أنه سوق كبير يحمل مقومات إذا أتيحت لها الفرصة لاقتحامها قد يتحول إلى سوق عالمي علي مستوي سنغافورة ودبي والسعودية إن لم يكن علي مستوى أكبر.
لا يوجد في الشرق الأوسط سوقًا يحتوي علي أكثر من مئة مليون مواطن في حاجة إلى أغلب الاحتياجات الأساسية بهذه الطريقة والقدرة الشرائية المتنوعة، سوقًا من الشباب القادر علي الإنتاج والعمل المبدع فقط إذا تهيأت الفرص وتمتع بالشفافية المنافسة عادلة.

إن مصر تمتلك الفرصة الان وليس علي المدي الطويل لإعادة الثقة في الأسواق المصرية عن طريق اتخاذ قرارات جريئة وصادقة ومؤلمة للحكومة وليس المواطن، على الحكومة أن تتخارج كليا من الاقتصاد ليس عن طريق بيع الشركات فقط -وهو ما اسميه استكمال لبرنامج الخصخصة- ولكن عن طريق فتح الأسواق للمطورين العقاريين العالميين للمشاركة في تطوير مدن جديده بفكر جديد ومتخصص بعيد عن الآيات القديمة، وكذلك فتح الفرص في الصناعة والزراعة للشركات العالمية مع عمل حزم من المحفزات المالية والضرائبية وكذلك المساعدة في الوصول ال مختلف فئات الأسواق علي مستوي الجمهورية وأن تعود الحكومة إلى لعب دورها الرئيسي كمنسق وليس لاعب، كمساعد وليس منافس، وان لا تبحث مره اخري عن الربح ولكن عن اتاحة الأسواق للجميع.

لا ادعي القدرة علي التنبؤ بالمستقبل ولكن قراءة الماضي واستقراء المستقبل ليس عملا خارقا ولكنه بسيط ليس علينا تكرار دروس من الماضي تم التأكد من عدم نجاحها العديد من المرات، ان استعادتنا لثقة الأسواق العالمية في اقتصادنا لن تكون بإجراءات نظرية واوراق بحثية ولكن بقرارات حاسمة جاذمه ومؤلمة للحكومة يري العالم تنفيذها وقتيا ويري الجميع تخارجا حقيقيا من الاقتصاد وعودة لجميع أبناء مصر من المستثمرين وظهور مستثمرين مصريين جدد في جميع المجالات، مما يشجع العالم للعودة مره اخري للأسواق المصرية.
نريد ان نسمع كلمة السوق المصري الواعد، السوق الجاذب للاستثمارات، المناخ الصحي للاستثمار في مصر، مصر مليئة بالفرص، الشباب المصري يقتحم سوق ريادة الاعمال، الحكومة المصرية تدعم الاستثمار، الجميع يحلم بالعمل في مصر، الشباب المصري لا يحلم بالهجرة، مصر أصبحت قبلة المستثمرين في العالم، شباب العالم يحلم بالعمل في مصر، مصر تحقق معدلات نمو اقتصادي غير مسبوقة.
اتمني ان اجد الأصدقاء من الخليج يعودون من اجل البحث عن فرص للاستثمار في مصر، دائما هناك امل وفرص للجميع، الامل اقوي من الخوف.

آخر الأخبار